للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفائقة، وعيون الكلم الجوامع، مع التهديد والإنذار، وقد كان العربي يسمع القرآن، فيخر له ساجدا، أضف إلى ذلك ما فيه من موافقة الجماعة، والشخص إذا كان في جماعة يندفع إلى موافقتها من غير ما يشعر، ولو كان الأمر على خلاف ما يهوى ويحب، وهذا أمر مشاهد، وفي علم النفس ما يؤيده، وذكر البخاري في تفسير سورة الحج قال: وقال ابن عباس: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه} : إذا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان، ويحكم آياته ويقال: أمنيته قراءته، فقد حكى الثاني بصيغة التمريض، التي تدل على الضعف، وليس في هذا ولا ذاك ما يشير إلى ما يزعمون.

المعتمدون للقصة:

ومع ما ذكرنا من قول المحققين في القصة: فقد حكمت الصنعة والقواعد الاصطلاحية على الحافظ ابن حجر، فصحح القصة وجعل لها أصلا، قال في "الفتح"١ في تفسير سورة الحج، بعد ما ساق في الطرق الكثيرة، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير؛ إما ضعيف وإما منقطع لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلا، مع أن لها طريقين مرسلين آخرين، رجالهما على شرط الصحيح؛ أحدهما: ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني أبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فذكر نحوه، والثاني: ما أخرجه أيضا من طريق المعتكمر بن سليمان، وحماد بن سلمة، فرقهما عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، وبعد أن ذكر كلام القاضي أبي بكر ابن العربي، وعياض قال: وجميع ذلك لا يتمشى مع القواعد؛ فإن الطرق إذا كثرت وتبينت مخارجها: دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل، وكذا من لا يحتج لاعتداد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك: تعين تأويل ما فيها مما يستنكر وهو قوله: ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلا، فإنه لا يجوز حمله على ظاهره؛ لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إن كان مغايرا لما جاء به من التوحيد، لمكان عصمته، وقد سلك العلماء في ذلك مسالك، وبعد أن ذكر الكثير


١ جزء ثامن ص ٣٥٤-٣٥٥.

<<  <   >  >>