للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها، ولم يرتضه، ارتضى لتصحيح القصة هذا التأويل، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل القرآن ترتيلا، فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمة محاكيا نغمته، بحيث سمعها من دنا، فظنه من قوله، وأشاعها بين الناس: قال: وهو الذي ارتضاه القاضي عياض وأبو بكر ابن العربي. ا. هـ، والقاضيان: عياض وأبو بكر رأيهما البطلان نقلا وعقلا ولكنهما ارتضيا ذلك تنزلا على تسليم الصحة.

الذي أجيب به على ما ذكره الحافظ:.

١- أن جمهور المحدثين لم يحتجوا بالمرسل، وجعلوه من قسم الضعيف؛ لاحتمال أن يكون المحذوف غير صحابي، وحينئذ يحتمل أن يكون ثقة أو غير ثقة، وعلى الثاني: فلا يؤمَن أن يكون كذابا١، والإمام مسلم قال في مقدمة كتابه: والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار: ليس بحجة. وقال ابن الصلاح في مقدمته: "وذكرنا من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه، هو الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث، وتداولوه في تصانيفهم"، والاحتجاج به مذهب مالك، وأبي حنيفة والشافعي، بشروط ذكرها في رسالته، ونقلها العراقي في شرح ألفيته، وقد قالوا في مراسيل أبي العالية: إنها كالريح كما في "التدريب" وإني لأذكر الحافظ بما ذكره من البلاء في الاحتجاج بالمراسيل في مقدمة كتابه لسان الميزان٢.

٢- الاحتجاج بالمرسل إنما هو في الفرعيات التي يكفي فيها الظن، أما الاحتجاج به على إثبات شيء يصادم العقيدة وينافي دليل العصمة فغير مسلم، وقد قال علماء التوحيد: إن خبر الواحد لو كان صحيحا لا يؤخذ به في العقائد؛ لأنه لا يكتفى فيها إلا باليقين، فما بالك بالضعيف.


.
١ نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ص ٢٧ ط الاستقامة.
٢ قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "لسان الميزان": روي عن شيخ من الخوارج أنه قال بعدما تاب: "إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا" قال الحافظ: "وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل؛ إذ بدعة الخوارج كانت في الصدر الأول، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين، ومن بعدهم، وهؤلاء كانوا إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثًا، وأشاعوه، فربما سمعه الرجل السني فحدث به، ولم يظهر من حدث به فيحمله عنه غيره، ويجيء الذي يحتج بالمقاطيع، فيحتج به، ويكون أصله ما ذكرت" وهو كلام من الدقة والنفاسة بمكان، وأنا لا أؤاخذ الحافظ إلا بما قال.

<<  <   >  >>