للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الفرية، وهو أن وصف العرب لآلهتهم بالغرانيق لم يرد لا في نظمهم ولا في خطبهم، ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريا على ألسنتهم، إلا ما جاء في: "معجم ياقوت" من غير سند ولا معروف بطريق صحيح، والذي تعرفه اللغة: أن الغرنوق والغرانيق: اسم لطائر مائي أسود أو أبيض، ومن معانيه: الشاب الأبيض الجميل، ويطلق على غير ذلك "راجع القاموس"، ولا شيء من معانيه اللغوية يلائم معنى الإلهية والأصنام، حتى يطلق عليها في فصيح الكلام الذي يعرض على أمراء الفصاحة والبيان، ولا يجوز أن يكون هذا من قبيل المجاز، بتشبيه الأصنام والآلهة بالغرانيق؛ لأن الذوق الأدبي العربي يأبى ذلك.

زعم مردود:

وقد حاول أحد أعداء الدين، وهو "سيرموير" المستشرق؛ الذي طبل لهذه القصة وزمر، أن يدعمهما بما يزعم أنه صحيح، وهو ما روي أن النبي لما قال ذلك، تهادن المسلمون والمشركون، وترامى الخبر إلى مهاجري الحبشة، فرجعوا إلى وطنهم، وهو باطل، والسبب في رجوع مهاجري الحبشة، هو إسلام السيد الهمام: عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد أعز الله به الإسلام، وقوى شوكة المسلمين، فخفف المشركون من غلوائهم مما رغب مهاجري الحبشة في الرجوع إلى وطنهم، وانضم إلى ذلك: حدوث ثورة في بلاد النجاشي، كان اعترافه بأن ما جاء به القرآن في عيسى وأنه عبد الله ورسوله حق مصدق لما جاء به الإنجيل، وإيواؤه المسلمين بعض أسبابها، فآثر المسلمون العودة على المقام بالحبشة، خشية أن يتطاير إليهم بعض الشرر والضرر.

وإذا كانت القصة غير ثابتة من جهة النقل، وهي مخالفة للقرآن المتواتر، ومناقضة لما ثبت بالعقل، مع تعذر التأويل، فلا جرم أن التحقيق يدعوني إلى أن أصدع بأن حديث الغرانيق مكذوب مختلق وضعه الزنادقة، الذين يحاولون إفساد الدين والطعن في خاتم الأنبياء.

وإذ قد انتهينا إلى هذه النتيجة الموفقة: فما معنى الآية حينئذ؟ وللإجابة عن ذلك: أذكر خلاصة ما ذكره الأستاذ الإمام في تفسيرها، وفي تفسيرها وجهان: الأول، أن.

<<  <   >  >>