للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل ما وقع تحت أيديهم من غث أو سمين، ولم يوجد شيء من ذلك في كتب الحديث المعتمدة التي عليها المعول عند الاختلاف، والذي جاء في الصحيح يخالف ذلك، وليس فيه هذه الرواية المنكرة، روى البخاري في صحيحه، عن أنس بن مالك، أن هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} : نزلت في شأن زينب ابنة جحش، وزيد بن حارثة واقتصر على هذا القدر، وليس فيه شيء من هذا الخلط، وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر رواية قتادة: "ووردت آثار أخرى، أخرجها ابن أبي حاتم، والطبري، ونقلها كثير من المفسرين، لا ينبغي التشاغل بها، وما أوردته هو المعتمد"، وهذه شهادة لها قيمتها، والذي أورده هو ما أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق السدي، في هذه القصة، فساقها سياقا واضحا حسنا، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب: عمة رسول الله، وكان رسول الله أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم رضيت بما صنع رسول الله، فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيه بعد، أنها من أزواجه، فكان يستحيي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال بين زيد وزينب ما يكون بين الناس، فأمره رسول الله أن يمسك عليه زوجه، وأن يتقي الله، وكان يخشى أن يعيب عليه الناس، ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا. وهو السبب الصحيح، وروى ابن أبي حاتم أيضا، والطبري، كلٌّ بسنده عن علي ابن الحسين بن علي، قال: أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه، قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها، وقال له: "اتق الله، وأمسك عليك زوجك"، قال الله: قد أخبرتك أني مزوِّجُكَها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه١، وقال ابن كثير في تفسيره٢ عند قول الله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} : "ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا أثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنهم صفحًا؛ لعدم صحتها فلا نوردها".

التفسير الصحيح للآية:

وهاك تفسير الآية الذي يساير روحها ونصها، وتشهد له الروايات الصحيحة، وتتجلى


.
١ فتح الباري ج ٨ ص ٤٢٥ ط الأزهرية.
٢ جزء ٦ ص ٥٦٠ ط المنار.

<<  <   >  >>