للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه حكمة الله العالية؛ ذلك: أن العرب كان من عادتها التبني، وكانت تلحق الابن المتبنى بالعصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث، وحرمة زوجته على من تبناه، وكانت تلك العادة متأصلة في نفوسهم، كما كان كبيرا أن تتزوج بنات الأشراف من موالٍ، وإن أعتقوا، وصاروا أحرارا طلقاء، فلما جاء الإسلام، كان من مقاصده: أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية، وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وأن يقضي على حرمة زوجة الابن المتبنى، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من قريش هو زيد، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة -حرمة زوجة الابن المتبنى- هو رسول الله، وما على بنات الأشراف أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم، وقد قضوا منهن وطرا، وإمام المسلمين، ومن يصدع بأمر الله، قد فتح هذا الباب، وتزوج حليلة متبناه بعد فراقها، وقد كان كل ما أرد الله، فرسول الله يخطب زينب لزيد، فتأبى، ويأبى بعض أهلها، ويكرر رسول الله الطلب، وينزل الوحي بذلك: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} فلم يبقَ إلا الإذعان من زينب وأهلها، ولكن زيدا وجد منها تعاظما، فيرغب في فراقها، ويستشير الرسول، فينصحه بإمساكها، وكان جبريل قد أخبر رسول الله بأن زينب ستكون زوجة له، وسيبطل الله بزواجه منها هذه العادة، ولكن النبي وجد غضاضة على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقها، ويتزوجها من بعد، فتشيع المقالة بين الناس، أن محمدا تزوج حليلة ابنه، وبذلك: يصير عرضة للقيل والقال من أعدائه، وهو في دعوته إلى دين الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، فهذا المقدار من خشية الناس حتى أخفى ما أخبره الله به -وهو نكاحها- هو ما عاتبه الله عليه، وقد صرح الله في كلامه بالسبب الباعث على هذا الزواج فقال: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} ، هذا هو التفسير الذي يتفق مع الحق والواقع.

وقد نسج المستشرقون، والمبشرون، أعداء الدين، من تلك الروايات المختلقة الواهية


.
١ الأحزاب الآية ٣٦.

<<  <   >  >>