للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رآه"، رواه ابن جرير، وغيره١، وهذا يدل على أنه قوله: "أي سماء تظلني....." إنما أراد به ما لم يقم عليه دليل، وما لا علم له به، أو تخوفا من أن لا يصيب مراد الله، وكذلك: يحمل ما روي عن بعض السلف مما ذكروه على هذا.

قال الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره: "فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف، محمولة على تحرجهم من الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا: فلا حرج عليه٢، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه، مما يعلمه، لقوله تعالى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه} ٣، ولما جاء في الحديث الذي جاء من طرق: "من سئل عن علم فكتمه، أُلجم يوم القيامة بلجام من نار" ٤ رواه الترمذي.

وأيضا: فقد روي عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم القول في تفسير القرآن، وذلك كالسادة الأخيار: علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وأبي هريرة، وغيرهم، فلولا أن تفسير القرآن جائز لمن تأهل له لما فعلوه؛ لأنهم كانوا أشد الناس ورعا، وتقوى، ووقوفا عند حدود الله.

وكذلك: ورد تفسير القرآن عن كثير من خيار التابعين، كسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وقتادة، والحسن البصري، ومسروق، والشعبي، وغيرهم، مما يدل على أن من امتنع منهم من تفسير القرآن إنما كان زيادة احتياط، ومبالغة في التورع.

ولعلهم رضي الله عنه أرادوا بهذا أن يتريث من يريد تفسير كلام الله، ثم يتريث قبل أن يتكلم فيه، ويحجم قبل أن يقدم، وأن يكونوا قدوة حسنة لمن سيجيء بعدهم، وعسى أن يكونوا في موقفهم هذا مع جلالتهم وعلمهم بالقرآن مذكر لهؤلاء الذين يتجاورون


١ الإتقان جـ ٢ ص ١٧٩، ١٨٣.
٢ تفسير ابن كثير والبغوي جـ ٢ ص ٣٧٠، ٣٧١.
٣ آل عمران: ١٨٧.
٤ تفسير ابن كثير والبغوي جـ ١ ص ١٤.

<<  <   >  >>