للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنسان، أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركا خارجا عن الإسلام١. ويقول الإمام أحمد بن علي المقريزي: فالشرك به في الأفعال: كالسجود لغيره سبحانه، والطواف بغير البيت المحرم، وحلق الرأس عبودية وخضوعا لغيره٢.

لأن ذلك من خصائص الألوهية؛ فمن سجد لغيره عز وجل، أو صرف له لونا من ألوان العبادة فقد جعله لله ندا٣، كذا لو ذبح لغير الله تعظيما له، وتقربا إليه، فقد أشرك شركا أكبر؛ لأن الذبح عبادة أمر الله عز وجل بها في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} [الكوثر: ٢] ٤.

ويقع الشرك في النوع الثاني؛ دعاء المسألة والطلب، إذا كان المدعو ميتا، أو كان السؤال في شيء لا يقدر عليه إلا الله عز وجل؛ فلو "كان المدعو حيا قادرا على ذلك فليس بشرك؛ كقولك: اسقني ماء لمن يستطيع ذلك٥.

أما إن كان المدعو ميتا، فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة٦.

على هذا يقال: ليس دعاء المسألة والطلب كله شركا؛ بل دعاء الإنسان لغيره ينقسم إلى ثلاثة أقسام٧: الأول: أن يدعو مخلوقا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة؛ كسؤال الفقير. فهذا جائز.

والثاني: أن تدعو مخلوقا مطلقا -سواء كان حيا أو ميتا- فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ مثل: يا فلان! اجعل ما في بطن امرأتي ذكرا؛ فهذا شرك أكبر؛ لأن هذا من فعل الله عز وجل الذي لا يستطيعه البشر، ولا يقدرون عليه.

والثالث: أن تدعو مخلوقا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة؛ كدعاء الأموات؛ فهذا شرك أكبر أيضا؛ لأن هذا لا يقدر عليه المدعو. ولا يقع مثل هذا النوع من الدعاء إلا إذا اعتقد الداعي في المدعو شيئا سريا يدبر به الأمور.


١ فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص٣٩٨.
٢ تجريد التوحيد المفيد للمقريزي ص٥٨-٥٩.
٣ انظر المصدر نفسه ص٧٣.
٤ انظر المجموع الثمين من فتاوى الشيخ ابن عثيمين ٢/ ١٤٨-١٤٩.
٥ فتاوى العقيدة لابن عثيمين ص٣٩٨.
٦ المرجع نفسه ص٣٩٩.
٧ انظر المرجع نفسه ص٣٩٣.

<<  <   >  >>