للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء كذلك في الكتاب والسنة "آيات وأحاديث كثيرة، تتضمن الوعيد الشديد بالعذاب الأليم، والخلود في النار لأهل الفسق والمعاصي وأصحاب الكبائر، ووصفهم بالكفر والفسق والضلال ونحو ذلك"١.ومن هذه النصوص: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣] ، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" ٢. وهذه تسمى نصوص الوعيد.

والناس قد افترقوا في هذه النصوص إلى طرفين، ووسط.

فالمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، وتركوا نصوص الوعيد، وقالوا: كل ذنب سوى الشرك فهو مغفور؛ فالإيمان لا تضر معه معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة٣.

وإنما ضلوا في هذا الباب بسبب عبادتهم الله بالرجاء وحده، وإهمال جانب الخوف.

والوعيدية -من الخوارج والمعتزلة- أخذوا بنصوص الوعد والوعيد، وغلوا في نصوص الوعيد، وقالوا: لا بد أن ينجز الله وعده ووعيده، ولا يصح أن يخلف أيا منهما٤.

وسبب ضلالهم في هذا الباب: عبادتهم الله بالخوف وحده، وإهمال جانب الرجاء.

وأهل السنة في هذا الباب وسط بين غلاة المرجئة، وبين الوعيدية -من الخوارج والمعتزلة-، وهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد؛ فيجمعون بين الخوف والرجاء، ولا يفرطون في نصوص الوعيد كالمرجئة الخالصة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا يغلون غلو الخوارج والمعتزلة في نصوص الوعيد، ويقولون في الوعيد: يجوز أن يعفو الله عن المذنب، وأن يخرج أهل الكبائر من النار، فلا يخلد فيها أحدا من أهل


١ وسطية أهل السنة والجماعة للدكتور محمد باكريم ص٣٥٤.
٢ صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله.
٣ انظر وسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور باكريم ص٣٥٥.
٤ انظر: شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار المعتزلي ص١٣٥-١٣٦. والموجز لعبد الكافي الأباضي -من الخوارج- ضمن كتاب آراء الخوارج الكلامية، للدكتور عمار طالبي ٢/ ١٠٥.

<<  <   >  >>