للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأردت أنا بأبي العلاء قوله:

فيا دارها بالخيف إن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال

ورسالة الوزير، أبي الوليد بن زيدون المخزومي الأندلسي، غالبها مبني على نوع التلميح، ولا بد أن أذكر الموجب لإنشائها، بحيث يتلمح المتأمل تلميحها. وسبب إنشاء هذه الرسالة البديعة، أنه كان بقرطبة امرأة ظريفة متأدبة، من بنات خلفاء العرب المنسوبين إلى عبد الرحمن بن الحكم المعروف بالداخل. في بني عبد الملك بن مروان، تسمى ولّادة بنت المستكفي بالله، ابتذل حجابها بعد نكبة أبيها وقتله، فصارت تجلس للشعراء والكتاب وتحاضرهم وتطارحهم. وكانت ذات جمال بارع وأدب غض ودماثة أخلاق، وكان لها ميل إلى ابن زيدون، بخلاف غيره من أهل العصر. فمما كتبت إليه، وهي راضية عنه:

ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فإني رأيت الليل أكتم للسر

وبي منك ما لو كان بالبدر لم ينر ... وبالليل لم يظلم وبالنجم لم يسر

وكتبت إليه وهي غضبى:

إن ابن زيدون على فضله ... يلهج بي شتما ولا ذنب لي١

يلحظني شزرًا إذا جئته ... كأنما جئت لأخصي علي٢

تشير في تلميحها اللطيف إلى غلام متهمًا به.

ومن غض شعرها قولها:

أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها٣

وأمكن عاشقي من صحن خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها

ومما ينسب إليها:

لحاظكم تجرحنا في الحشا ... ولحظنا يجرحكم في الخدود

جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا ... فما الذي أوجب جرح الصدود


١ لهج بالشيء: أولع به ولزمه.
٢ شزرًا: ينظر بطرف عينيه تدليلًا على غضبه.
٣ أتيه: أفتخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>