للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويعجبني في هذا الباب قول سيدنا الإمام القدوة، الحافظ الشيخ شهاب الدين بن حجر العسقلاني الشافعي -تغمده الله برحمته- وهو:

خاض العواذل في حديث مدامعي ... لما جرى كالبحر سرعة سيره

فحبسته لأصون سر هواكم ... {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} ١

وقلت:

ناحت مطوّقت الرياض وقد رأت ... تلوين دمعي بعد فرقة حبه

لكن له لما سمحت تباخلت ... فغدت مطوقة بما بخلت به

وهنا فائدة يتعين ذكرها في هذا الباب، وهي أن العلماء في هذا الباب قالوا: إن الشاعر لا يقتبس بل يعقد ويضمن، أما الناثر فهو الذي يقتبس كالمنشئ والخطيب، فمن ذلك قول الحريري: فطوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادّعى، {ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ٢، وعلم أن الفائز من ارعوى، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} ٣، وقوله: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِْ} ٤، وأميز صحيح القول من عليله. وكقول ابن نباته الخطيب في الخطب التي في ديوانه: أما أنتم بهذا الحديث تصدقون، ما لكم لا تشفقون، {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} ٥.

قلت: وأما عبد المؤمن الأصفهاني، صاحب أطباق الذهب، فإنه عنوان هذا الكتاب، وإمام هذا المحراب، فمن قوله في الأطباق: فمن عاين تلوين الليل والنهار لا يغتر بدهره، ومن علم أن بطن الثرى مضجعه لا يمرح على ظهره، فيا قوم لا تركضوا خيل الخيلاء في ميدان العرض، {أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} ٦. وقوله: ولو علم الجذل صولة النجار، وعضة المنشار، لما تطاول شبرًا، ولا تخايل كبرًا، وسيقول البلبل المعتقل ليتني كنت غرابًا، {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} ٧، وقوله:

لله تحت قباب العز طائفة ... أخفاهم في رداء الفقر إجلالا


١ النساء: ٤/ ١٤٠.
٢ النازعات: ٧٩/ ٤٠.
٣ النجم: ٥٣/ ٣٩، ٤٠.
٤ يوسف: ١٢/ ٤٥.
٥ الذاريات: ٥١/ ٢٣.
٦ الملك: ٦٧/ ١٦.
٧ النبأ: ٧٨/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>