للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} ١. وقوله: أصدق الأرواح روحان ممتزجان، وأخلص القلوب قلبان يزدوجان، يتصاحبون {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ٢، وآخرون {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} ٣. وقوله لله دره: فيا هذا لا تحسد المتنعم على ترفه، ولا تغبط المتكبر على شرفه، وقل له إذا برزت الجحيم وقدم له الحميم، {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ٤. وقوله: أليس من الخسران جزار يأكل الميت، ومكّيّ لا يزور البيت، فلا تكن كالجمل الطليح٥ يحمل لغيره أسفارًا، ولأنك كـ {الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} ٦.

قلت: هذا القدر الذي أوردته هنا كافٍ في الاقتباسات التي تليق بمواعظ الخطب، فيتعلم بليغ الخطباء منها سلوك الأدب، ولم يبق إلا إظهار نور الاقتباس من مشكاة نور المترسلين، فإنهم ملوك هذا الشأن، ومن استضاء بسحر اقتباسهم قال: إن هذا إلا سحر مبين. "ومن ذلك" قول مالك أزمة هذا الفن القاضي الفاضل من تقريظ ورأيت كل معتاض غيره لصناعة البديع لاهجًا بالبدعة خارجًا عن الشرعة، دارجًا في غير عشه، مخرجًا ميت القول من طرسه على نعشه، فهي المدام وما دون فهم عنها قدام، ووفود بلاغة لو وجهت إلى الجنة لقال رضوانها: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} ٧ وكل ابنة فكر ما طالعت فكره إلا صاح لسان طربه: {يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ} ٨ وكل غصن ألف وكل همزة حمام، وفيها وفيها، وأخاف أن أقول ولا أوفيها، وليت هذه المحاسن وليت الأسماع، وألقت القناع، وفي العمر مستمتع، وفي قوس الشبيبة منزع، ولكن ضاق فتر عن مسير، وجاء فضلها الأوَّل في الزمن الأخير، وقد حان أن تخيب في البلاغة القدحان٩، وأنى وإنه {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} ١٠.

وقوله: لا زالت الملوك تنزل لركوبه، والسيوف تضحك لقطوبه، وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة، وكتب له في الدنيا حسنة وفي الآخرة، وغض عيون أعدائه فإذا هم


١ مريم: ١٩/ ٥٩.
٢ آل عمران: ٣/ ١٩١.
٣ آل عمران: ٣/ ١٦٧.
٤ الدخان: ٤٤/ ٥٩.
٥ الطليح: المهزول المجهود.
٦ الجمعة: ٦٢/ ٥.
٧ الحجر: ١٥/ ٤٦.
٨ يوسف: ١٢/ ١٩.
٩ القدحان: جمع مفرده قدح وهو ما كان يستقسم به أو قَدَح: وهو الإناء.
١٠ يوسف: ١٢/ ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>