فسأله عن حديثٍ من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحدٍ حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعضٍ، ويقولون: الرجل فهمٌ، ومن كان منهم غير فهمٍ يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم.
ثم انتدب رجلٌ آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، وسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، وسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه.
فلما عرف البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متنٍ إلى إسناده، وكل إسنادٍ إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها. فأقر له الناس بالحفظ والعلم، وأذعنوا له بالفضل.