دلائل النبوة من حديث ابن عباس وليس فيه إن ذلك كان بإذنه - صلى الله عليه وسلم - والحديث عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه دون قوله أيضاً:(هذا سحت فتصدق به).
وأما الأثر فإن ابن مسعود - رضي الله عنه - اشترى جارية فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن فطلبه كثيراً فلم يجده فتصدق بالثمن وقال: اللهم هذا عنه إن رضي وإلا فالأجر لي.
وسئل الحسن - رضي الله عنه - عن توبة الغال -من يأخذ من مال الغنيمة قبل أن يقسم- وما يؤخذ منه بعد تفرق الجيش فقال: يتصدق به. وروي أن رجلاً سوّلت له نفسه فغلّ مائة دينار من الغنيمة ثم أتى أميره ليردها عليه فأبى أن يقبضها وقال له: تفرق الناس. فأتى معاوية فأبى أن يقبضها. فأتى بعض النّساك فقال: ادفع خمسها إلى معاوية وتصدّق بما يبقى فبلغ معاوية قوله فتلهف إذ لم يخطر له ذلك. وقد ذهب أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وجماعة من الورعين إلى ذلك.
وأما القياس: فهو أن يقال: إن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذ قد وقع اليأس من مالكه وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر فإنا إن رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك ولم تحصل منه فائدة وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه وحصل للفقير سد حاجته وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر فإن في الخبر الصحيح: (إن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس من ثماره وزروعه) رواه البخاري.
وأما قول القائل: لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع.
وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام لاستغنائنا عنه وللفقير حلال إذا حلّه دليل الشرع وإذا اقتضت المصلحة التحليل وجب التحليل وإذا حل فقد رضينا له الحلال.