إن المتتبع لآيات القرآن الكريم ولأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يجد أنها حددت مقدار أرباحهم بل جعلت ذلك حسب ظروف التجارة والسماحة والتيسير وعدم الاستغلال.
وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على جواز أن يربح التاجر ضعف ثمن البضاعة فقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام البخاري بإسناده عن شبيب بن غرقدة، قال:(سمعت الحي يحدثون عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ديناراً يشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب أربح فيه) وقول الراوي في الحديث: سمعت الحي أي قبيلته، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٧/ ٤٤٥.
وقد ورد هذا الحديث براوية أطول عند الإمام أحمد في مسنده عن عروة بن الجعد البارقي - رضي الله عنه - قال:(عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - جلب فأعطاني ديناراً، وقال: أي عروة إئت الجلب فاشتر لنا شاة فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما فلقيني رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: وصنعت كيف؟ قال فحدثته الحديث. فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه، فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة أي سوقها فأربح أربعين ألفاً قبل أن أصل إلى أهلي وكان يشتري الجواري ويبيع) الفتح الرباني ١٥/ ٢٠.
ففي هذا الحديث نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أقر عروة على بيعه الشاة بدينار مع أنه اشتراها بنصف دينار فقد ربح فيها ما نسبته ١٠٠% فهذا يدل على جواز أن يربح التجار هذه النسبة بشرط أن لا يكون في البيع غش أو خداع أو احتكار أو غبن فاحش. فالتاجر المسلم الملتزم بدينه لا يتعامل بهذه الطرق غير المشروعة.
وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي مسألة تحديد أرباح التجار وقرر ما يلي:
أولاً: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها عملاً بمطلق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية ٢٩.