للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التجار من الصحابة]

من المعلوم أنه كانت للعرب أسواق في الجاهلية يتاجرون فيها وهي أسواق مشهورة في شعر العرب وأدبهم وقد ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كانت عكاظ ومَجنَّه وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه، فنزل قول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} رواه البخاري.

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في مكة يرتاد الأسواق ويتاجر كسباً للرزق وطلباً للمعاش بل كان له شريك في التجارة يقال له السائب وقد عاب المشركون على النبي - صلى الله عليه وسلم - تردده على الأسواق حيث ذكر الله جل جلاله ذلك عنهم {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} سورة الفرقان الآية ٧.

قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى {وَقَالُوا} ذكر شيئاً آخر من مطاعنهم. والضمير في {وَقَالُوا} لقريش؛ وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلس مشهور، ذكره ابن إسحاق في السيرة وغيره. مضمنه - أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا: يا محمد! إن كنت تحب الرئاسة وليَّناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا؛ فلما أبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك رجعوا في باب الاحتجاج معه فقالوا: ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق! فعيروه بأكل الطعام؛ لأنهم أرادوا أن يكون الرسول مَلَكاً، وعيروه بالمشي في الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان عليه السلام يخالطهم في أسواقهم، ويأمرهم وينهاهم؛ فقالوا: هذا يطلب أن يتملك علينا، فماله يخالف سيرة الملوك؛ فأجابهم الله بقوله، وأنزل على نبيه: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} فلا تغتم ولا تحزن، فإنها شكاة ظاهر عنك عارها ... دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش. وكان عليه السلام يدخلها لحاجته، ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته، ويعرض نفسه فيها على القبائل، لعل الله أن يرجع بهم إلى الحق. وفي البخاري في صفته عليه السلام: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ... وذكر السوق مذكور في غير ما حديث، ذكره أهل

<<  <   >  >>