للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المالِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ألم أُوَسِّعْ عليك حتى لم أدعْك تحتاجُ إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ؛ قال: فماذا عملتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، أتصدَّقُ. فيقولُ اللهُ له: كذبتَ، وتقولُ الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللهُ تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يُقالَ: فلانٌ جوَادٌ، وقد قيل ذلك. ويؤتَى بالذي قُتِلَ في سبيلِ اللهِ، فيقولُ اللهُ له: فبماذا قُتِلْتَ؟ فيقولُ: أيْ ربِّ! أُمرتُ بالجهادِ في سبيلِك، فقاتلتُ حتى قُتِلتُ، فيقولُ اللهُ له: كذبتَ، وتقولُ الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللهُ: بل أردتَ أن يُقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسولُ اللهِ على رُكبتي فقال: يا أبا هريرةَ أولئك الثلاثةُ أولُ خلقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهم النارُ يومَ القيامةِ". (١).

وقيل: إنَّما كان هؤلاء الثَّلاثةُ أوَّلَ خلْقِ اللهِ تعالى تُسعَّرُ بهم النَّارُ؛ لكونِ هذه العِباداتِ (تعلُّم القُرآنِ وتَعليمه، الجهاد، والإنفاق) رَفيعةَ القدْرِ عندَ اللهِ تعالى؛ فلمَّا لم يَبتَغِ أصحابُها بها وجْهَ اللهِ تعالى، بلْ طلَبوا بها العاجِلَ في الدّنْيَا، وآثَروا الفانِيَ فيها على الباقي في الآخِرةِ؛ فجازاهم اللهُ تعالى بأنْ جعَلَهم أوَّلَ مَنْ تُسعَّرُ بهم النَّارُ؛ إذ العِقابُ على قدْرِ عِظَمِ الجُرْمِ. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من الرِّياءِ، وبَيانُ شِدَّةِ عُقوبتِه. (٢)

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به. (٣)

قال الخطابي (ت: ٣٨٨ هـ) - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث:

أي: من عمل عملًا على غير إخلاص، إنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يَشْهَرَه الله ويفضحه، ويبدو عليه ما كان يبطنه ويُسِرُّه من ذلك. (٤)

وقال صلى الله عليه وسلم: " تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرؤه لله". (٥)

ولعظم قدر القرآن ومكانته فإنه لا يُطلب به عرضًا زائلا من أعراض الدنيا كشرف المنزلة عند الناس وحسن ثنائهم عليه وصرف وجوههم إليه، أو ارتفاع


(١) - رواه الترمذي (٢٣٨٢)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢٢)
(٢) - يُنظر: شرح الحديث- الدرر السنية.
(٣) - رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة ١١/ ٣٣٦ (٦٤٩٩)، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله ٤/ ٢٢٨٩ (٢٩٨٧).
(٤) - الكبائر، للذهبي (ص: ٦٥).
(٥) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٨٥)، ويُنظر: قيام الليل، محمد بن نصر المروزي (ص: ٧٤).

<<  <   >  >>