للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مبحث: التخلية والتحلية عند قارئ القرآن [*]

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: أن يكون القارئ عاملًا بالقرآن، متصفًا بالتخلية متحلِّيًا بالتحلية

إن الأصل الدافع لهذا الضابط هو ما سنه الخليفة الراشد والصديق الأول أبو بكر رضي الله عنه حينا اختار "زيدًا" للقيام بمهمة الجمع الثاني فقال له: " إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ" (١)

فقوله: "لا نَتَّهِمُكَ" فيه معنى التخلية عن كل ما تركن إليه النفس، وكل ما تتهم به من الموانع القادحة كخوارم المروءة ومما يشين من الخلال والسمات غير الحميدة.

وقوله: "وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، فيه معنى التحلية، وذلك لأن اختياره صلى الله عليه وسلم لزيد "كاتبًا للوحي" يُعد تزكية له من أعلى التزكيات، كما أن اعتماد الصديق لمنهج "التخلية والتحلية" في اختياره لزيد يُعد بذلك أول من سن في الإسلام سنة "شهادة الخبرة". بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢)، وبذلك تنعقد عليه الثقة وتطمئن إليه النفس.

وكما أن هذا الوصف الذي قد اجتمع في زيد في الجمع الأول، قد اعتمده وقرره الخليفة الثالث الراشد عثمان رضي الله عنه في الجمع الثالث في اختياره لزيد ليقوم بهمة الجمع الثالث، وفي ذلك إقرار لما أمضاه الصديق رضي الله عنه واعتمده في اختيار زيد رضي الله عنه.


(١) -البخاري، التفسير: ٤٣١١، فضائل القرآن: ٤٦٠٣، الأحكام: ٦٦٥٤.
(٢) - وقد فعل ذلك متأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك حين استأجر عبدالله بن أُرَيقط، وكان رجلًا مشركًا خريتًا ليدله على الطريق إلى المدينة؛ فقد روى البخاريُّ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ. الحديث رواه البخاري برقم (٢٢٦٤).
والخريت: الخبير بطرق الصحراء.
واستعماله صلى الله عليه وسلم لرجل له خبرة سابقة بمعرفة الطريق يُعد بما نسميه في عصرنا الحاضر بـ: "شهادة الخبرة".

[*] (تعليق الشاملة): هذا المبحث ليس في المطبوع من المجلة وهو ثابت في المرسل إلينا من المؤلف - حفظه الله -

<<  <   >  >>