للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينشأ عنه تحريك السواكن، وتوليد الحروف، وتكرير الراءات، وتطنين النونات بالمبالغة في الغنَّات، إلى غير ذلك مما ينفر منه الطَّبْع السليم، ويأباه الذَّوْق المستقيم.

ثم هو يحذر القارئ من الإسراع والعَجَلَة في القراءة، ويوجه إلى التؤدة والاطمئنان فيقول - رحمه الله-:

وعلى أن يكون ذلك كلُّه - أيضًا - في تؤدةٍ وطمأنينةٍ، وبُعْدٍ عن الإسراع والعَجَلَة.

وهذه الكيفيَّة هي التي نزل بها القرآن الكريم، وهي المرادة من الترتيل الذي أمر الله به نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً) (المزمل: ٤). (١)

[المطلب الرابع: القراءة بتؤدة واطمئنان]

وهذا الضابط من الأهمية بمكان لتفادي أي لحن خفي، إذ إن الكثير من القراء المعاصرين لهم اختلاسات واضحة وجلية تظهر لأهل التحقيق والتدقيق من أئمة الأداء وسادة الإقراء لأول وهلة، وذلك يرجع غالبًا للهجة القارئ ومنشئه، إذ اللهجات المحلية لبعض البلدان والقبائل يغلب عليها اختلاس بعض حركات الحروف كما هو معروف.

والمطلوب من قارئ القرآن هو القراءة بتؤدة واطمئنان وترسل وتمهل مع العناية بتبيّن الحروف، مع عدم العجلة المخلة بالقراءة؛ كما قال الله تعالى: (ورتّل القُرآنَ تَرتِيْلاً) (المزمل: ٤)

والترتيل كما هو معلوم تبيين الحروف وإظهارها، ولا يكون ذلك إلا بإخراجها من مخارجها.

قال الزجاج (ت: ٣١١ هـ) - رحمه الله-:

رتّل القرآن ترتيلًا، بينه تبيينًا، والتبيين لا يتم بأن يعجل في القرآن، إنما يتم بأن يبين جميع الحروف، ويوفي حقها من الإشباع. (٢)

وقال ابن الجزري (ت: ٨٣٣ هـ) - رحمه الله-:

الترتيل مصدر من رتل فلان كلامه؛ إذا أتبع بعضه بعضًا على مكث … قال صاحب العين: "رتلت الكلام: تمهلت فيه. (٣)

ومراتب القراءة وإن كان قد قال عنها بعض أهل التجويد أنها أربعة مراتب من جهة الإسراع والبطء، وهي: "التحقيق، والتدوير، والترتيل، والحدر" (٤)، والبعض


(١) أحكام قراءة القرآن الكريم، للشيخ محمود خليل الحصري (ص: ٣٨٩). أحكام قراءة القرآن الكريم- محمود خليل الحصري المتوفى سنة ١٤٠١ هـ، تحقيق محمد طلحة بلال، جماعة تحفيظ القرآن الكريم بمكة المكرمة الطبعة الأولى ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م.
(٢) - يُنظر: تفسير الفخر الرازي (١٦/ ١٠٧).
(٣) - التمهيد، لابن الجزري (١/ ٥٩).
(٤) - كـ "القسطلاني" في اللآلئ السنية ص ٥٢.

<<  <   >  >>