للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد جعلها ثلاثًا: (الترتيل، والتدوير، والحدر) (١)

ومنشأ الخلاف بين هذه الأقوال يرجع إلى مرتبة "التحقيق"، فالبعض يجعلها مع الترتيل مرتبة واحدة، كالإندرابي في " الإيضاح"، والبعض يجعل الترتيل صفة من صفات التحقيق، كالداني في "التحديد" (٢)، ومنهم من يجعله مرتبة مستقلة، كالقسطلاني في "اللآلئ السنية" (٣)، والبعض يرى أن الترتيل هو الأصل وباقي المراتب تندرج تحته وتنبثق عنه فالترتيل يندرج تحته التحقيق والحدر والتدوير.

قال ابن الجزري - رحمه الله- في "النشر: "

فإن كلام الله تعالى يقرأ بالتحقيق وبالحدر وبالتدوير الذي هو التوسط بين الحالتين مرتلاً مجودًا بلحون العرب وأصواتها وتحسين اللفظ والصوت بحسب الاستطاعة ..... ثم شرع في الكلام على كل مرتبة على حدة الى أن قال: عن التحقيق: وهو نوع من الترتيل .... وقال أيضًا: فالتحقيق داخل في الترتيل كما قدمنا والله أعلم. (٤)

والخلاصة

أن كلّ من يقرأ بهذه المراتب الثلاث هو في الحقيقة مرتلٌ للقرآن كما أمر الله، ما دام يقرأه كما أمره الله بأحكامه التي أُخِذَت مشافهة ونقلت بالتواتر، وهو في ذلك مؤتمرٌ بقوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) (المزمل: ٤)، فالمراتب الثلاث الأخرى يقرأ فيها القارئ بأحكام التجويد، غير أنها تتباين فيما بينها حسب حال القارئ والمقام المقتضي للقراءة سرعة وبطأ. فقد يكون القارئ في موطن يريد فيه أن يسرع شيئًا ما، كمن يريد المراجعة وضبط المحفوظ مثلًا، أو أن يكون في صلاة التهجد في رمضان أو غيره فيُسرع مع إعطاء الحروف حقها ومستحقها، وفي موطن آخر يريد فيه أن يبطئ شيئًا ما، كمن يقرأ بتدبر وتمعن في معاني الآيات التي يتلوها، وقد يكون في مقام التعليم والتلقين فيحتاج لبطء القراءة أكثر ليجلي صفات الحروف ومخارجها وحركاتها وأحكام التلاوة للمتعلمين بصورة جلية فيقرأ بمرتبة التحقيق، وقد يريد القارئ أن يقرأ لنفسه فيكون أسرع قليلًا وهكذا.


(١) - كـ "الإندرابي" في الإيضاح ص ٢٩٠.
(٢) -يُنظر: التحديد للداني ص ٦٩. التحديد في الإتقان والتجويد المؤلف: عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المتوفى: ٤٤٤ هـ) المحقق: الدكتور غانم قدوري حمد الناشر: مكتبة دار الأنبار - بغداد/ ساعدت جامعة بغداد على طبعه الطبعة: الأولى ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٨ م عدد الأجزاء: ١.
(٣) -يُنظر: اللآلئ السنية للقسطلاني ص ٥٢.
(٤) النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (١/ ٢٠٥).

<<  <   >  >>