للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن التَّعبُّدَ للهِ عزَّ وجلَّ بتِلاوَةِ القُرآنِ من أفضَلِ العِباداتِ، خاصَّةً إذا كان بتَدَبُّرٍ وخُشوعِ وعَمَلٍ بما فيه؛ وحتى يَحصُلَ الخُشوعُ في التِّلاوَةِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمَر بحُسْنِ التِّلاوَةِ مع التَّدَبُّرِ، وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك؛ حيثُ قال: "إنَّ مِنْ أحسَنِ النَّاسِ صَوتًا بالقُرآنِ"، أي: أفضَلِ الأصْواتِ تِلاوَةً للقُرْآنِ "الذي إذا سَمِعتَه يَقرَأُ، رَأيتَ أنَّه يَخْشى اللهَ"، أي: أنَّ المَطْلوبَ من تَحْسينِ الصَّوتِ بالقُرآنِ أنْ تُنتِجَ قِراءَتُه خَشيَةَ اللهِ، فمَن رأيتُم فيه الخشيَةَ، فقد حسَّن الصَّوتَ بالقُرآنِ، وهذا حَثٌّ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تَحْسينِ الصَّوتِ به، وعلى تَرْتيلِه، فإذا قَرَأَ بهذه الصِّفَةِ، كان أوقَعَ في القَلْبِ وأشَدَّ تأثيرًا لسامِعِه. (١) وقوله: (حسبتموه يخشى الله) أي المطلوب من تحسين الصوت بالقرآن أن تنتج قراءته خشية الله فمن رأيتم فيه الخشية فقد حسن الصوت بالقرآن المطلوب شرعًا فيعد من أحسن الناس صوتًا. (٢)

ولذا يجب أن يكون الخوف من وقوع الرياء في القراءة باعثًا للقارئ على الإخلاص في قراءته، ولا يكن ذلك الأمر مثبطًا له عن المضي في القراءة بخشوع وحضور قلب؛ فإن الشيطانَ يخوف العبدَ شاهرًا في وجهه سلاح الرياء، ليحمله على ترك العمل الصالح، فالمؤمن يقرأ ويحسن قراءته مبتغيًا بذلك وجه الله تعالى متوكلًا عليه، قائلًا لنفسه "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله عنهما" (٣)، وما من أحد عمل عملاً إلا سار في قلبه سَوْرَتان (٤)، فإذا كانت الأولى منهما لله فلا تَهيدَنَّه الآخرة. (٥).

قال ابن الأثير (ت: ٦٠٦ هـ) - رحمه الله-:

المعنى: إذا أراد فعلًا وصحت نيته فيه فوسوس له الشيطان فقال: إنك تريد بهذا الرياء، فلا يمنعه ذلك عن فعله. (٦)


(١) - يُنظر: شرح الحديث- الدرر السنية
(٢) - حاشية السندي على ابن ماجه: (١/ ٤٠٣).
(٣) - رواه البيهقي في شعب الإيمان (٦٨٧٩) أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت علي بن بندار، يقول: سمعت عبد الله بن محمود، يقول: سمعت محمد بن عبد ربه، يقول: سمعت الفضيل، يقول: فذكره، وإسناده ضعيف.
(٤) - قال ابن الأثير في النهاية (٢/ ٤٢٠) سورة أي ثورة من حدة. ومنه يقال للمعربد سوار.
(٥) - رواه أبو عبيد، في غريب الحديث (٤/ ٤٥١) قال: سمعت ابن عدي يحدث، عن عوف، عن الحسن البصري، قال: فذكره، وإسناده صحيح.
(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢٨٦). النهاية في غريب الحديث والأثر المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (المتوفى: ٦٠٦ هـ) الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي عدد الأجزاء: ٥.

<<  <   >  >>