للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسماها الأصلي مع توضيح وتجلية الفرق بينهما.

وإنما تأتي تسميتها بغير اسمها من باب قلب الحقائق، لترويج الباطل، وذلك ليسوغ للمتلقِّي قبولها، واستحسانها، غير مُعَظِّمٍ لحرمتها، وذلك لما تضفيه علي تلك المسميات "التي تقلب الحقائق" عن أصلها إلى قالب مستساغ "لفظه" من أسماء براقة، وذلك ليهون من فظاعتها وفظاظتها وشدة قبحها وحرمتِها.

ولقد كان للشيطان قدمُ السبق في هذا المضمار، وذلك لأنه كان أول من سن تلك السنة السيئة التي تقلب الحقائق الثابتة بتغير مدلولاتها بألفاظ أُخر- مكرًا وخديعة وكذبًا وتدليسًا- ليتلقَّاه ويتلقَّفها منه أولياؤه، ويوحي بها بعضهم لبعض زخرف القول غرورًا، كما قال ربنا: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الزخرف: ١٢)، ومن أظهر ذلك قلبه لحقيقة الشجرة التي نهى الله الأبوين من قربانها فسمها بغير اسمها، سماها بـ" شجرة الخلد وملك لا يبلى".

قال ابن القيم- رحمه الله- في إغاثة اللهفان":

وإنما كذبهما عدو الله، وغرّهما، وخدعهما؛ بأن سمّى تلك الشجرة "شجرة الخلد"، فهذا أول المكر والكيد، ومنه وَرِثَ أتباعُهُ تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها، فسمَّوا الخمر أمَّ الأفراح، وسمَّوا أخاها بلُقَيْمة الراحة (١)، وسمَّوا الربا بالمعاملة، وسمَّوا المُكُوسَ بالحقوق السلطانية، وسمَّوا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسمَّوا أبلغ الكفر- وهو جحد صفات الرب- تنزيهًا، وسمَّوا مجالس الفسوق مجالس الطَّيبة! فلما سمَّاها "شجرة الخلد" قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا؛ فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون. (٢).

وحين تقلب الحقائق عن معانيها المقصودة فلابد من التحاكم للغة العرب التي نزل بها القرآن، ونطق بها أفصح الخلق عليه الصلاة والسلام، فمن تأمل الألفاظ التي رغَّب فيها الشرعُ بتحسين الصوت يجدها ترجع إلى عبارات لغوية تدور حول هذا المعنى مثل ألفاظ "التغني بالقرآن"، أو غيرها من الألفاظ التي وردت على ألسنة بعض شراح الأحاديث التي رغَّب فيها الشرع بتحسين الصوت، كلفظ "الترنم"، ولفظ "النغم"، ولفظ "التطريب"، فمن تأمل تلك الألفاظ وجد مادتها تدور حول تحسين الصوت بالتلاوة والجهر به فحسب.


(١) - لعله يقصد الحشيش.
(٢) إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان: (١/ ١١٢ - ١١٣).

<<  <   >  >>