للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نقل الإمام أبو عمرو ابن الصلاح (ت: ٤٦٣ هـ) الإجماع على تحريم السماع في "أدب المفتي والمستفتي" فقال - رحمه الله-:

فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت: فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والخلاف: أنه أباح هذا السماع. (١)

ولذا فقد حذر علماء الإسلام من خطر تلك المعازف أشد التحذير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) - رحمه الله-:

والمعازف هي خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس، فإذا سكروا بالأصوات حلَّ فيهم الشرك، ومالوا إلى الفواحش، وإلى الظلم، فيشركون، ويقتلون النفس التي حرم الله، ويزنون، وهذه الثلاثة موجودة كثيرًا في أهل سماع المعازف. (٢)

وقال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) - رحمه الله-:

والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها: إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلوا بالقحط والجدب وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان. (٣)

فإذا تبين لنا ذلك، عُلِمَ حرمة وخطورة تعلم "المقامات الموسيقية" ومن ثم حرمة قراءة القرآن الذي هو كلام الرحمن على مقامات "الشيطان".

وإنما وَهِمَ مَنْ وَهِمَ وأخطأ من أخطأ وزل من زل في هذا الباب غالبًا بسبب سوء فهمه للألفاظ التي استعملها بعض أهل العلم، كالترنيم والتغني والتطريب ونحو ذلك من الألفاظ، والتي عَرَّفَهَا أهل العلم وفق ما دلت عليه لغة العرب.

وفي هذا الصدد يقول ابن جرير الطبري (ت: ٣١٠ هـ) - رحمه الله-:

معنى الحديث تحسين الصوت والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامع صوته، كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه .. (٤)

وقال الحافظ ابن حجر (ت: ٨٥٢ هـ) -رحمه الله-:

يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن … ولا شك أن النفوس تميل إلى القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم. لأن للتطريب تأثيرًا في رقة القلب وإجراء الدمع. (٥)


(١) -أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح (٢/ ٥٠٠).
(٢) - مجموع الفتاوى (١٠/ ٤١٧).
(٣) - مدارج السالكين (١/ ٥٠٠).
(٤) - شرح ابن بطال (١٠/ ٢٦٠)، زاد المعاد (١/ ٤٨٦).
(٥) فتح الباري (٩/ ٧٢).

<<  <   >  >>