للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي رواية لمسلم من حديث أَنَسٍ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ) (١) .

وهذه الرواية تقضي على جميع الإشكالات، فهي تدل أن الانشقاق حصل مرتين، فمرة رأوه فوق جبل أبي قبس ومرة عند الصفا، وإن كان بعض العلماء يشكك في هذه اللفظة (مرتين) ويرى أنها (فرقتين) (٢) .

ولو سلمنا التعارض التام بين هاتين اللفظتين من كل جهة، فهذا لا يضر في أصل الحديث، وأقصى ما فيه أن ابن مسعود، أو أحد الرواة عنه كان يهم في اسم الجبلين، فتارة يقول (شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء) ، وتارة (فانشق القمر نصفين، نصفاً على الصفا، ونصفاً المروة) ، وأما أصل الحديث وهو الشاهد منه، أن القمر انشق، فليس فيها أي اضطراب أو نسيان أو وهم.

ولو سلمنا أن هذا الاضطراب يسقط الاحتجاج بالحديث، فما القول إذن بحديث علي، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

ثالثا: الإشكال الفلكي:

دعواه وجوب وجود النقل القطعي على هذه الحادثة، فنقول: قد وجد. فالحديث منقول في أصح الكتب، بل نص العلماء على تواتره، بل ذكره الله في كتابه، بل أجمع العلماء على وقوعه، بل حتى الكفار قد ذكروه في كتبهم ممن عاصروا الحادثة. فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: (إنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه أنه بُني في الليلة التي انشق القمر فيها) (٣) .

ويؤيد هذا ما نقله السيد رشيد رضا نفسه حيث قال: (على أن الحافظ المزي نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، أن بعض المسافرين ذكر أنه رأى في بلاد الهند بناء قديما مكتوبا عليه أنه بُني ليلة انشق القمر) . ثم قال رشيد رضا: (وأذكر أنني رأيت في بعض الكتب أو الصحف، أن هذا رؤي في بلاد الصين) (٤) .

و (في مقابلة تليفزيونية للأستاذ الدكتور زغلول النجار، سأله مقدم البرنامج عن هذه الآية؛

(اقتربت الساعة وانشق القمر (: هل فيها إعجاز قرآني علمي؟ فأجاب الدكتور زغلول قائلا: هذه الآية لها معي قصة. فمنذ فترة كنت أحاضر في جامعة كارديف (Cardif) غرب بريطانيا، وكان الحضور خليطا من المسلمين وغير المسلمين، وكان هناك حوار حي للغاية عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وفي أثناء هذا الحوار، وقف شاب من المسلمين وقال: يا سيدي هل ترى في قول الحق تبارك وتعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر (لمحة من لمحات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟ فأجبته: لا؛ فالأعجاز العلمي يفسره العلم، أما المعجزات فلا يستطيع العلم أن يفسرها، فالمعجزة أمر خارق للعادة فلا تستطيع السنن أن تفسرها، وانشقاق القمر معجزة حدثت لرسول الله (تشهد له بالنبوة والرسالة، والمعجزات الحسية شهادة صدق على من رآها، ولولا ورودها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله (ما كان علينا نحن مسلمي هذا العصر أن نؤمن بها ولكننا نؤمن بها لورودها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله (؛ ولأن الله تعالى قادر على كل شيء، قال: ثم ذكرت لهم الروايات الثابتة في انشقاق القمر.


(١) أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر، رقم:٢٨٠٢) .
(٢) انظر فتح الباري (٧/٢٢٢) .
(٣) البداية والنهاية لابن كثير (٦/٧٧) .
(٤) مجلة المنار، المجلد ٣٠ الجزء الخامس ص ٣٦٢.

<<  <   >  >>