للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (وَرَهْطَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: «يَا صَبَاحَاهْ» . فَقَالُوا: مَنْ هَذَا فقالوا: محمد. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» . قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟! ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (١) .

فانظر إلى قولهم: (ما جربنا عليك كذبا) ٠يعنى ولا حتى مرة واحدة، قيلت هذه الكلمة أمام هذه الجموع، ولم ينكرها أحد، مع أنه عاشرهم أربعين سنة قبل أن يبعث، ومع هذا ما جربوا عليه كذبا قط.

بل حتى من لم يعرفه كان إذا رآه علم أنه صادق:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» (٢) .

يقول ابن رواحة -رضي الله عنه-:

لو لم تكن فيه آياتٌ مبينةٌ كانت بداهته تنبيك بالخبر (٣)

ومن سمع كلامه علم صدقه؛ فقد روي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» . قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ: فَبَايَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : «وَعَلَى قَوْمِكَ؟» قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي. قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَالَ: رُدُّوهَا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ) (٤) .


(١) متفق عليه (البخاري: تفسير القرآن، باب تباب خسران وتتبيب تدمير، رقم:٤٦٨٧، ومسلم: الإيمان، باب قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين (، رقم:٢٠٨) .
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٢٣٢٧٢) ، والترمذي (كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه، رقم:٢٤٨٥) ، وابن ماجه (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام الليل، رقم:١٣٣٤) ، والدارمي (كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الليل، رقم:١٤٦٠) ، وإسناده صحيح، صححه الترمذي والألباني (صحيح الترمذي ٢/٣٠٣) وعبد القادر الأرنؤوط (جامع الأصول ٩/٥٥١) وغيرهم.
(٣) انظر: ديوان عبد الله بن رواحة، (ص:٩٥) جمع ودراسة وتحقيق د. حسن محمد باجودة، القاهرة، مكتبة التراث، ١٩٧٢.
(٤) أخرجه مسلم (كتاب الجمعة، تخفيف الصلاة والخطبة، رقم:٨٦٨) .

<<  <   >  >>