للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دُعِي رسولُ الله (إلى جِنَازةِ صبيًّ مِنَ الأنصارِ. فقلتُ: يا رسولُ الله طوبَى لهذا، عصفورُ مِن عصافيرِ الجَنَّةِ، لم يعملِ السُّوءَ ولم يُدْرِكْه. فقال: «أو غيْرَ ذلك يا عائشةُ، إنَّ الله خَلَق للَجنةِ أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلابِ آبائهم، وخلق للنارِ أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلابِ آبائهم» . رواه مسلم (١) .

وقال البخاري: بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ (يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي أَوْ لَمْ يُجِبْ، حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلَا بِقِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ (عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ (٢) .

(قَوْله: (بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ (يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْي، فَيَقُولُ لَا أَدْرِي , أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْي) أَيْ كَانَ لَهُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْء الَّذِي لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِيهِ حَالَانِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَدْرِي، وَإِمَّا أَنْ يَسْكُت حَتَّى يَأْتِيه بَيَان ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، وَالْمُرَاد بِالْوَحْيِ أَعَمّ مِنَ الْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ وَمِنْ غَيْره، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ عِدَّة أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث اِبْن عُمَر " جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيِّ (فَقَالَ: أَيُّ الْبِقَاع خَيْرٌ؟ قَالَ: «لَا أَدْرِي» . فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» . فَقَالَ: «سَلْ رَبّك» فَانْتَفَضَ جِبْرِيلُ انْتِفَاضَة. الْحَدِيث أَخْرَجَهُ اِبْنُ حِبَّانَ، وَلِلْحَاكِمِ نَحْوَه مِنْ حَدِيثِ جُبَيْر ابْنِ مُطْعمِ، وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَس عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ، وحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه (قَالَ: «مَا أَدْرِي الْحُدُودَ كَفَّارَةُُُ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا» . هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِم) (٣) .

٤- لا يدري ماذا سيكون حظه عند الله:

ولما توفي عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - قالت أم العلاء - امرأة من الأنصار -: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال (: «وما يدريك أن الله أكرمه؟» فقالت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ قال: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول ما يفعل بي» . قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً) رواه البخاري (٤) ، ومصداقه في كتاب الله تعالى: {قل ما كنت بِدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [سورة الأحقاف الآية: ٩] .

أتراه لو كان حين يتحامى الكذب يتحاماه دهاءً وسياسةً، خشية أن يكشف الغيب قريباً أو بعيداً عن خلاف ما يقول، ما الذي كان يمنعه أن يتقول ما يشاء في شأن ما بعد الموت، وهو لا يخشى من يراجعه فيه، ولا يهاب حكم التاريخ عليه؟ بل منعه الخُلق العظيم، وتقدير المسئولية الكبرى أمام حاكم آخر أعلى من التاريخ وأهله {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} [الأعراف الآيتان: ٦، ٧] ) (٥) .

ولنأخذ خلقا واحدا من أخلاقه على سبيل المثال وهو خلق الصدق:


(١) أخرجه مسلم (كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على فطرة، رقم:٢٦٦٢) .
(٢) صحيح البخاري (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأل مما لم ينزل عليه الوحي ... ، والحديث الذي في الباب رقمه:٧٣٠٩) .
(٣) فتح الباري لابن حجر (١٣/٣٠٣) .
(٤) في كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في الأكفان، رقم:١١٨٦.
(٥) النبأ العظيم، ص: ٣٤-٣٦، وقد زدت بعض الزيادات.

<<  <   >  >>