للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طلب، ولا في تداركه واستذكاره لو ضاع منه شيء ,وكان عليه أن يعيد كل ما يلقى إليه حرفياً، فكان لابد له في أول عهده بتلك الحال الجديدة التي لم يألفها من نفسه, أن يكون شديد الحرص على المتابعة الحرفية، حتى ضمن الله له حفظه وبيانه بقوله: (لا تحرك به لسانك لتعجل به (الآيات [القيامة: ١٦] ، وقوله: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما} [طه: ١١٤] .

هذا طرفٌ من سيرته بإزاء القرآن، وهي شواهد ناطقة بصدقه في أن القرآن لم يصدر عنه بل ورد إليه، وأنه لم يفض عن قلبه بل أفيض عليه) (١) .

١١-أليس يكفي للحكم ببراءة الإنسان من عمل من الأعمال , أن يقوم من الطبيعة شاهدٌ بعجزه المادي عن إنتاج ذلك العمل؟ .

فلينظر العاقل: هل كان هذا النبي الأمي (أهلاً بمقتضى وسائله العلمية , لأن تجيش نفسه بتلك المعاني القرآنية؟.

سيقول الجهلاء من الملحدين: نعم. فقد كان له من ذكائه الفطري وبصيرته النافذة ما يؤهله لإدراك الحق والباطل من الآراء , والحسن القبيح من الأخلاق, والخير والشر من الأفعال، حتى لو أن شيئاً في السماء تناله الفراسة , أو تلهمه الفطرة , أو توحي به الفكرة, لتناوله محمد بفطرته السليمة وعقله الكامل وتأملاته الصادقة.

ونحن قد نؤمن بأكثر مما وصفوا من شمائله، ولكننا نسأل: هل كل ما في القرآن مما يستنبطه العقل والتفكير، ومما يدركه الوجدان والشعور؟ اللهم كلا.


(١) النبأ العظيم، ص: ٣٤

<<  <   >  >>