للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر.. (.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يُمَثَّلَ بعدد من المشركين, جزاء ما مَثَّلُوا بعمه حمزة في يوم أحد، فنهته الآية أن يزيد عما فعل بعمه، وبينت أن العفو أفضل.

وآيات الشورى تصف المؤمنين بأنهم إذا بغى عليهم أحد انتصروا لأنفسهم، وبينت كما بينت الآية الأولى أن جزاء السيئة يكون بقصاص مماثل، وأن من عفا وأصلح فإن الله تعالى يثيبه.

فالآيتان في مجرى واحد، كلتاهما تفضل العفو وتقيد العقوبة بالمماثلة!

ولا يتأتى للمسلمين أن ويُبغى عليهم ويقفوا مكتوفي الأيدي، بل عليهم أن ينتصروا لأنفسهم ممن بغى عليهم، ولكنهم مع هذا الانتصار لا يظلمون ,فما أروعه أدباً وأسماه سلوكاً.

وأنت تجد في الأناجيل أن المسيح يقول لتلاميذه: أحسنوا إلى أعدائكم وباركوا لاعنيكم. ومع هذا تجده يقول لليهود: يا أولاد الأفاعي، ترون القذاة (١) في أعين الناس ولا ترون الخشبة في أعينكم!

وليس في هذا الكلام بركة ولا إحسان، وإنما هو توبيخ وزجر، فلم لم يباركهم ويحسن إليهم؟. ثم نجد الذي يقول: أحسنوا إلى أعدائكم. والذي يقول: ما جئت لأنقض الناموس. يقول أيضاً: لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها والكنة (٢) ضد حماتها.


(١) القذاة: -
(٢) زوجة الابن.

<<  <   >  >>