للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أساليب العرب في البيان أن يتحدث المتكلم عن نفسه تارة بضمير المتكلم، وتارة بضمير الغائب، كأن يقول المتكلم: فعلت كذا وكذا، وذهبت، وآمرك يا فلان أن تفعل كذا، وتارة يقول عن نفسه أيضا: إن فلانا -يعني نفسه- يأمركم بكذا وكذا. وينهاكم عن كذا، ويحب منكم أن تفعلوا كذا. كأن يقول أمير أو ملك لشعبه وقومه وهو المتكلم: إن الأمير يطلب منكم كذا وكذا. وهو يشير بذلك أن أمره لهم من واقع أنه أمير أو ملك، وهذا أبلغ وأكمل من أن يقول لهم: إنني الملك وآمركم بكذا وكذا. فقوله: إن الملك يأمركم. أكثر بلاغة من قوله: إنني الملك وآمركم. وقد جاء القرآن بهذا النوع من البيان , كما في الآيات التي اعترض بها السائل فظن أن هذا لا يمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى، نحو قوله تعالى في سورة البقرة: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (، وقوله في سورة آل عمران: (ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق (فظن هذا الذي لا يعرف العربية أن الله لا يمكن أن يتكلم عن نفسه بصيغة الغائب, وأنه كان لا بد وأن يقول: (نزلت عليك يا محمد الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه..) ونحو ذلك وهذا جهل بأساليب اللغة العربية، وموقعها في البيان والبلاغة، ولا شك أن خطاب الله هنا وكلامه عن نفسه بصيغة الغائب، أبلغ من لو قال سبحانه: ألم، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم نزلت عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الآيات.

<<  <   >  >>