للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى كل حال فهذا أسلوب من أساليب البلاغة في اللغة، والظن أن هذا يطعن في القرآن، وأنه ليس من عند الله, وإنما من عند الرسول ظن تافه ساذج في منتهى الركاكة والجهل.

وأما الالتفات (١) في الخطاب من الحضور إلى الغيبة والعكس، كأن يخاطب المخاطب بضميره فيقول: إنك فعلتَ كذا وكذا، ثم تخاطبه تارة أخرى بضمير الغائب, فتقول له: فعل فلان كذا وكذا وأنت تعنيه. فهذا كذلك أسلوب من أساليب البلاغة: كقوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى (ولا شك أن النبي هو المقصود، ثم حول الله الخطاب إليه قائلا: (وما يدريك لعله يتزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ... (الآيات [عبس:١-٤] .

وأما أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه, فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم، وبماذا يدعون ربهم، فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءً وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة, وفيها: (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين (وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه, يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة, ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا (إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (. فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين؛ ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم، وفي هذه السورة من


(١) انظر المعجم المفصل في علوم البلاغة، د. أحمد عكاوي (ص:٢٠٨) ،دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٢.

<<  <   >  >>