وإنما هي فرض عقلي فسر به داروين بعض الظواهر والمشاهدات، لكن لم يرصد أحد من المؤمنين بها إطلاقاً تطوراً مادياً يقطع بصحتها، بل على العكس من ذلك فقد طالعتنا وكالات الأنباء في أكتوبر ١٩٧٤م (شوال ١٣٩٤هـ) أن أعضاء بعثة الآثار الفرنسية البريطانية، التي تقوم بسلسلة من الحفائر في إثيوبيا قد اكتشفوا بقايا هيكل عظمي لإنسان، يرجع تاريخها إلى حوالي أربعة ملايين سنة، وقال أعضاء البعثة إن هذا الكشف سيغير تماماً النظريات السابقة المعروفة عن أصل الإنسان (جريدة الأخبار القاهرية في ٢٨/١٠/١٩٧٤ ص١) .
ومما لاشك فيه أن أول ما يغيره هذا الكشف نظرية داروين، فهل يستقيم بعد هذا أن يطعن إنسان في صدق الوحي القرآني في الخلق، مستنداً إلى استنتاج فرضي لعالم طبيعي، لم يثبته هو أو غيره بصورة قاطعة، بل وجدت اكتشافات تطعن في صحته؟ ومن هنا لا تصلح هذه النظرية ـ على أي نحو ـ لتكون مقياساً تقاس عليه نصوص القرآن الكريم في الخلق.
ومنهجنا في كافة النظريات البعيدة عن وصف اليقين، هو أننا ننزه القرآن ابتداءً عن أن يقال في تأويله شيء يتصل بمحض الفروض والاستنتاجات القابلة للتغيير، بل الإلغاء أصلاً.
وبهذا يتبين أن كلام ميلر بروز وأمثاله عن (خلق الإنسان في تطور طويل من الأشكال الدنيا) ـ كقضية مسلم قطعاً بصحتها ـ شنشنة كاذبة تعرفها من هؤلاء وهي تقوم على جعل (الظنون والتصورات) حقائق قاطعة مسلماً بصحتها، وينبغي ألا يخدع هذا المنهج القائم على التعمية والتجهيل بحقائق الأمور - أحدًا من الباحثين الذين يحترمون عقولهم) (١) .