للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: - إن كثيراً من المحدِّثين يذكرون المخالف بمبهماً بقولهم: «خالفه النَّاس أو خالفه الثِّقات أو خالفه غيره» (١) ، ويعتمدون ذلك، ولم يرُدُّ من بعدهم قولهم بحجَّة أنَّ ما ذكر مبهم، والمخالف ثقة مسمىً، فدلَّ هذا على اعتماد ما ذكر إلا إذا ثبت بالأدلَّة أو كلام السَّابقين ما يخالف قول المعِلِّ.

الرابع: - أنَّ الأصل عند المحدِّثين التَّرجيح بين الرِّوايات المختلفة - لحديث واحد - ثم الجمع بينها عند تكافئ (٢) الأدلَّة، خلاف ما تقرَّر في الفقه وأصوله من الجمع بين المتون المتعارضة بادئ الرَّأي، ثم التَّرجيح عند تعذر ذلك بقواعد مقررة هنالك، لأن قواعد هذا العلم غير ذاك، ولا يلزم من ذلك خطأ أحد المنهجين.

فالنَّاظر في كتب العلل وترجيحات علماء الحديث، يجد أن نسبة القول بالجمع بين الرِّوايات المختلفة قليلة جداً بالنِّسبة لما رجَّحوه من روايات، فهذا بيان للواقع الذي استند على أدلة وقرائن أدَّت إلى هذه النَّتيجة الاستقرائية.

فلا يصار إلى القول بالجمع بين الرِّوايات أو القول بالاضِّطراب إلا بعد محاولة التَّرجيح بالقرائن الآتي ذكرها.

قال ابن حجر في بيان ذلك: «وإذا كان شعبة - وهو أتقن من غيره - حَفِظَ عن خبيب فيه الشَّكَّ، فذاك دليل على أنَّ خبيباً لم يضبطه، فلا يحتاج إلى الجمع الذي جمعه ابن خزيمة، ثم هجم ابن حبَّان فجزم به» (٣) .


(١) الأمثلة على ذلك كثيرة جداً منها: - العلل لابن أَبي حاتم (١/١٩و٦٦و٢/٤٤و٢٠٨) وعلل الدارقطني (٢/١٤و٤/١٤٣) .
(٢) يأتي قول لابن خزيمة ينص على ذلك (ص ٤٠) .
(٣) النكت لابن حجر (٢/٨٨١) ، وربما خالف ابن حجر ما قرره هنا، فيجمع في شرح للبخاري بين روايات مختلفة، فينقده بعضهم بالتكلُّف في ذلك، وهذا ظاهر في مواضع يسيرة فحسب، ولعله في القصص أكثر منه في غيره.

<<  <   >  >>