للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرجح البخاري الإرسال للاختلاف فيه، وجعل الموقوف المخالف قرينة على ترجيحه، لا سبباً وحيداً لذلك.

ومن المعلوم أن الرِّواية مقدَّمة على الرأي المجرَّد إذا ثبتا جميعاً. ولكن الحفَّاظ جعلوا مخالفة الرَّاوي لما روى، قرينةً على وهم الرِّواية لا مُقَدَّمَةً عليها، وفرق بين الأمرين واضح، هذا مع ما قد يحتفُّ بالطُّرق من قرائن أخرى يتبين بها الصَّواب.

ومن الأمثلة على ذلك مما قد تخفى مخالفته، ما رواه مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل الفجر، والركعتين بعد المغرب: «قل يا أيها الكافرون» ، و «قل هو الله أحد» (١) .

قال مسلم معِلاً هذه الرِّواية: «وهذا الخبَرُ وهمٌ عن ابن عمر. والدليل على ذلك الرِّوايات الثابتة عن ابن عمر أنه ذكر ما حفظ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم من تطوع صلاته بالليل والنهار، فذكر عشر ركعات، ثم قال: «وركعتي الفجر، أخبرتني حفصة ... » قال مسلم: «فكيف سمع منه أكثر من عشرين مرة قراءته فيها؟ ثم يخبر أنه حفظ الركعتين من حفصة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم» (٢) .

وبنحو هذا أعلَّ أبو حاتم الرَّازي أَيْضَاً (٣) .

وكذا أعلَّ البخاري حديث أبي هريرة مرفوعاً: «من استقاء فقد


(١) أخرجه ابن أَبي شيبة في المصنف كتاب الصلاة / باب ما يقرأ فيهما (٢/٥٠) ومسلم في التمييز (ص٢٠٧) .
(٢) التمييز (ص٢٠٨) .
(٣) العلل لابن أَبي حاتم (١/١١٨) .

<<  <   >  >>