كثرة هذا الاختلاف، وتنوعه، لم يتطرق اليه تضاد، ولا تناقض، ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض نمط واحد وأسلوب واحد، وما ذاك الا آية بالغة، وبرهان قاطع على صدق جاء به النبي صلّى الله عليه وسلم.
٧ - ومنها: إعظام اجور هذه الامة من حيث انهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك، واستنباط الحكم، او الاحكام من دلالة كل لفظ، واستخراج كمين اسراره، وخفي اشاراته، وانعامهم النظر في الكشف عن التوجيه، والتعليل، والترجيح، والتفصيل، بقدر ما يبلغ غاية علمهم، ويصل اليه نهاية فهمهم.
٨ - ومنها: ما ادخره الله من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة، لهذه الأمة من اسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الالهي بسببها.
٩ - ومنها بيان فضل هذه الامة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي، واقبالهم عليه هذا الاقبال، والبحث عن لفظة لفظة، والكشف عن صيغة صيغة، وبيان صوابه، وبيان تصحيحه،
واتقان تجويده، حتى حموه من خلل التحريف، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا، ولا تفخيما ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدات، وتفاوت الإمالات، وميزوا بين الحروف بالصفات.
١٠ - ومنها: ظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز، وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز، فان الله تعالى لم يخل عصرا من العصور، ولو في قطر من الأقطار، من امام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى، واتقان حروفه، ورواياته، وتصحيح وجوهه، وقراءاته (١).
سابعا: متى نشأت القراءات؟
بعد ان وقفنا على الادلة القاطعة، والبراهين الساطعة، التي تثبت ان القراءات القرآنية كلها منزلة من عند الله تعالى على نبيه محمد صلّى الله
(١) انظر: النشر في القراءات العشر ج ١ ص ٢٨ فما بعدها.