ثم كانت ـ[الخطوة الثانية]ـ ( ... وقال بعضهم، ومن أهل العلم بالسير: فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: أتمنعون ظهري حتى أبلغ رسالة ربي؟ فقالوا: يا رسول الله إنما كانت بعاث عام الهول يوما من أيامنا اقتتلنا به. فإن تقدم ونحن كذا لا يكون عليك اجتماع، فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه، فعسى الله أن يجمعهم عليك، فإن جمعهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك، وموعدك الموسم العام القابل. وانصرفوا إلى المدينة (١).
وقبل أن نعلق على هذا الحدث البسيط في مظهره العميق في مخبره. لا بد أن نشير إلى اجتماع سابق لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسفر عن نجاح في بداية العام الحادي عشر للبعثة، وكان قبيل بعاث مع وفد من الأوس جاؤوا يلتمسون الحف من قريش على قومهم من الخزرج. وكان الأوس أقل عددا من الخزرج، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقدمهم جاءهم فجلس إليهم وقال لهم: هل لكم في خير مما جئتم له؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله، بعثني إلى العباد، أدعوهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأنزل علي الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ: أي قوم هذا والله خير مما جئتم له. فأخذ أبو اليسر أنس بن رافع- رجل كان في الوفد- حفنة من تراب البطحاء فرمى بها وجه إياس وقال: دعنا عنك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فصمت إياس. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانصرفوا إلى المدينة من غير أن ينجحوا في عقد حلف مع قريش، فلقد كان التحرك السياسي الإسلامي لا يدع فرصة إلا ويحاول الاستفادة منها. ولا ندري إن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين أثر في تعطيل الحلف بين الأوس وقريش أم
(١) من السيرة النبوية لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب [ص:١٣٥].