والذي حدا بنا إلى اعتبار هذا الحلف مع أبي طالب هو أن أبا طالب كان يمثلهم، وهو الذي حمل العبء باسمهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووافق على بذل الحماية باسم العشيرتين دون قيد أو شرط.
ولو عدنا قليلا إلى حلف المطيبين وكيف تم الصلح فيه على أن تكون السقاية والرفادة لبني عبد مناف، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر هذا الحلف، حتى والإسلام عزيز منيع. فقد طلب علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع لبني عبد مناف الحجابة مع السقاية والرفادة فنادى عثمان بن طلحة وسلمه مفتاح الكعبة وعثمان زعيم بني عبد الدار يومئذ، وقال اليوم يوم بر ووفاء. هاك مفتاحك يا عثمان. خذوها تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد عن قيس بن عاصم: ما كان حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام (أي بين المسلمين). وفي رواية: ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة.
ولعل حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تطبيقا لبنود حلف الفضول الذي التقى عليه بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنو تيم وكان أشدهم وفاء هذان الفرعان الكريمان.
[جـ - حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والمطعم بن عدي]
كانت وفاة أبي طالب بعد نقض الصحيفة بستة أشهر. وقد قلبت وفاته الموازين كلها فكثير ممن كان يشارك في حمايته أو يمتنع عن إيذائه حرمة ومهابة لشخصه. فمع وفاته بدأ الاعتداء العنيف على النبي صلى الله عليه وسلم وبدأت محاولات قتله.