قال الإمام المازري -رحمه الله:"ظاهر الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرّدّ لها، من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، لكن: والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين؛ فأما التي ليست بمستقرة، ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تُدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يُحمل الحديث، وعلى مثلها يُطلق اسم الوسوسة، فكأنه لمّا أراد أمرًا طارئًا بغير أصلٍ؛ دُفع بغير نظر في دليل، إذ لا أصل له يُنظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تُدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها".
كلام ثمين حقيقة ويفرّق بين أمرين مهمين:
الأمر الأول: الخواطر التي لا تعتمد على أدلة، وهي من باب نزغ الشيطان أو حديث الهوى كما قلت: شياطين الإنس والجن، هذه لا أصل له، ولا تعتمد على أدلة؛ فالوقوف معها مَضيعة للوقت وللجهد، ويكفي الله -عز وجل- كفانا إيَّاها، بجهد بسيط وبأن نستعيذ به -سبحانه وتعالى- من نزغ الشيطان في صدورنا، لكن التي فيها شبهة أدلة لا بد من العمل على إزالة هذه الشبهة، هذا تفريق مهم، وهو كثير في المسائل العلمية، ووقفت عنده لأن له صلة بالمادة العلمية التي ندرسها المتعلقة بالشبه حول السنة.
حقيقة، كثير من الشبه لا يستحق أن يُردَّ عليه، لكن البعض حاول أصحابها أن يُلبسوها ثوب البحث العلمي، وأن يقيموا عليها بعض الأدلة؛ فيجب الرد عليهم بأدلة، وليس الهدف من هذا الرّدّ أن نرضيهم، فقد لا يرضون أبدًا، وربنا -عز وجل- حدثنا عن اليهود والنصارى أنهم لن يرضوا عنَّا أبدًا:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: ١٢٠) وإنما الإجابة على هذه الشبه والإشكالات إنما لتنقية صدورنا، وصدور أولادنا أبناء الإسلام.