ذلك مثلًا في القرآن الكريم قول الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(هود: ٦) يعني هذا الكتاب مفصح بأسمائها وأعدادها، وكل ما يتعلق بها في حركاتها وسكناتها إلى آخره، السياق يشعر بأنه اللوح المحفوظ.
فهل كل دابة في الأرض على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، هل ممكن أن نفهم من هذه الآية أن الكتاب هو القرآن؟ أين الكلام عن أرزاق الناس بالتفصيل؟ أين الكلام عن المستقر والمستودع الذي ورد بالنسبة لهذه الدواب في القرآن الكريم؟
إذن لا بد من حمل هذه الآية على اللوح المحفوظ، وليس على القرآن الكريم، ويرجح هذا -أو يقطع- ما ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما-وهذا حديث رواه الإمام مسلم في كتاب القدر، باب: حجاج آدم وموسى -عليهما السلام- قال عبد الله بن عمرو بن العاص: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (هود: ٧))).
إذن، واضح من هذه الكتابة أنها في اللوح المحفوظ، وأنها كانت قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومقادير الخلائق فيها الرزق وفيها الأجل وفيها المستقر وفيها المستودع الذي ورد في سورة هود:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. وأيضًا في سورة الأنعام نفسها:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(الأنعام: ٥٩) هذا الكتاب المبين لا يمكن أن يكون القرآن، وإلا أين نجد في القرآن مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو؟ وكل ما في البر والبحر؟ وما تسقط