من ورقة إلا يعلمها؟ ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين؟ هذا الكتاب هو اللوح المحفوظ يقينًا.
أيضًا ما ورد من قوله -تبارك وتعالى- {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(سبأ: ٣) هذا الكتاب المبين لا بد أن يكون هو اللوح المحفوظ، وليس المراد به القرآن الكريم، وإلا فأين نجد تفاصيل كل ذرة في السموات أو في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في هذا القرآن الكريم؟
إذن، في ضوء هذه الآيات نفهم أن المراد في قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء} المراد بالكتاب هو اللوح المحفوظ، والقول بأنه القرآن الكريم حقيقةً قول يأباه السياق العام للآية، ومعلوم أن الآيات تُفهم في ضَوْء ما قبلها وفي ضَوْء ما بعدها، الآيات تتكلم عن أن الله -عز وجل- علِمَ كل صغيرة وكبيرة، أن بقية المخلوقات أمم تماثل أمة الإسلام، لها الأرزاق ولها الآجال، كل المخلوقات:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} ولا طائر من الطيور ومن الدواب ومن الحشرات، كلها أمم أمثالكم، سُجّلت كل تفاصيلها كما سجل تفاصيل الإنسان في الكتاب، فهذا الكتاب لا بد أن يكون هو اللوح المحفوظ، وإلا لو أخذنا الآية في سياقها الذي تتحدث عنه أين هي تفاصيل حياة هذه الأمم التي هي أمم مثل أمة الإسلام؟ وأين الكلامُ عن أرزاقها وآجالها، ومستقرها ومستودعها، وتفاصيل حياتها، ومناهجها ولغاتها؟ كل ذلك أين نجده في القرآن الكريم؟
فاقتطاع الجملة من سياقها العام لأستخدمها في دليل فيه اعتساف لا يتوافق ولا يتناسق مع سياق الآية، أمر لا يقول به أحد من أهل العلم:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون}(الأنعام: ٣٨) كل هذه الأمم تحشر إلى ربها، أيضًا هذا سياق الآية فيما قبلها وفيما بعدها.