للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} شملت كل صغيرة وكبيرة، وإلا فإن الواقع يُبعد هذا الفهم، كيف؟ بأي شيء نضرب الأمثلة؟ بالزواج مثلًا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (النور: ٣٢) حين أريد أن أنزل هذا الأمر منزلة التنفيذ، من أختار؟ أين هو في القرآن الكريم؟ كيف علاقتي بها أثناء الخطبة؟ كيف بعد العقد؟ قبل الدخول؟ كيف كيف كيف؟ تفصيلات كثيرة جدًّا أوكلها القرآن الكريم إلى السنة المطهرة.

المنازعة في هذا أُصرّ على أنها منازعة في البدهيات، لا يستقيم معها أي شيء في فكر الإنسان، وبالتالي تكون النقاشات مضيعةً للوقت وللجهد، وإنما المقصود أن الكتاب الكريم -أي: القرآن- وضع القواعد العامةَ للحلال والحرام، وما إلى ذلك، ثم ترك تفصيلات كل ذلك للسنة المطهرة، وهذا وارد في قوله -تبارك وتعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فقاعدة اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو وجوب اتباعه والتحاكم إلى سنته، هي من القواعد العامة أيضًا التي فصلها القرآن الكريم ودعا إليها، وأوجب طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكرت الآيات الكريمة في هذا الصدد.

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: ٦٤) وضع القواعد العامة التي تنظّم الاختلافَ، والكتاب هدًى وهو رحمة، من استمسك به فقد هُدِيَ، وقد كتبت له الرحمة في الدنيا وفي الآخرة، كل ذلك حق، لكن الأحكام الشرعية بتفصيلاتها ليست مذكورةً في القرآن الكريم، والواقع يؤكد هذه الحقيقة: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}. إذًا هذا التبيان يحتاج إلى السنة، بل هو موكول إلى السنة، ولذلك قال الأوزاعي -رحمه الله، وهو أحد كبار علماء هذه الأمة- وقد ذكر ذلك ابن كثير في أثناء تفسير هذه الآية قال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}

<<  <   >  >>