هذا الاشتراط هو المتسق مع قضية الإيمان، هو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن، ليس في الآية شرط شديد لا يستطيعه أحد، واضح جدُّا أن هذا هو ما يقتضيه الإيمان كيف؟ يعني لو سألنا سؤالًا متى يرفض الإنسان الحكم، حين يتصور أنه حكم جائر مثلًا، أو حكم ناقص، أو أن هناك حكمًا أفضل منه، هل يجوز شيء من هذه المعاني مع حكم الله -تبارك وتعالى- أو حكم النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ أن نعتقد أن غيره أفضل، أو أنه يحتاج إلى تتمة؛ لنكمله من التشريعات الأخرى، أو ما شاكل ذلك؟ لا.
{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} واضح جدًّا أن الإيمان المقنع يفرض على أتباعه أن يعتقدوا أن هذا الحكم هو أعدل الأحكام، وهو سيد الأحكام، ولذلك يخضعون له في حبّ ورضا، واستسلام، وقناعة بأن هذا الحكم خير الأحكام وسيد الأحكام وأعدل الأحكام وخير الأحكام إلى آخره.
في صحيح البخاري يقول الصحابي:"نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أمر كنا نرى فيه خيرًا، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأرشد" أصاب كبد الحقيقة، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأرشد، آيات كثيرة ستأتي معنا؛ لكني أردت هنا أن أبين أن اشتراط الرضا وليس مجرد الاكتفاء بالحكم فقط؛ إنما هو ليس فيه تصعيب ولا مشقة على المسلمين، إنما هو كما قلت، هو الذي يلتقي مع حلاوة الإيمان، مع تذوق الإيمان، بل مع حمد الله على نعمة أنني وفقت إلى تطبيق هذا الحكم الشرعي الذي أصلًا شُرع لصالحي في ديني ودنياي. ولذلك كان من الإيمان الواضح الجلي أن يشترط هذا الشرط:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.