نتأكد أنه قد وافق عليه، فلابد أن يعلم به ولماذا اختار العلماء عبارة: يعلم به النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يقولوا مثلًا: ورآه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو سمع به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأننا لو قلنا مثلًا: الصحابي فعل فعلًا، واشتراطنا أن يكون هذا الفعل أمام النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكأننا نضيق الإقرار. هب أنه فعل الأمر بعيدًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه في النهاية النبي -صلى الله عليه وسلم- علم به، وهذا هو الأهم.
وثم يأتي بعد ذلك الأمر الثالث: وهو هل وافق عليه أم لم يوافق؟ يبقى الإقرار لابد أن تتوافر له الأركان الثلاثة.
قد يطرح هنا سؤال، وهو إذا كان الإقرار ليس من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا من قوله، فكيف يعتبر من السنة؟ هو من السنة بموافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه؛ لأنه من فعل الصحابي، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم به، ووافق عليه، ليس شرطًا أن يوافق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكلام، بل يكفي أن يسكت مثلًا، يسمونه: بالإقرار السكوتي، فمثلًا: بالنسبة للإقرار السكوتي: الحديث المشهور لما وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إلى قتال بني قريظة -وهم طائفة من اليهود- وكان ذلك بعد غزة الأحزاب وقال لهم:((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))، وسار الصحابة فأدركهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: نصلي العصر هنا، أي: في الطريق. وقال البعض الآخر: لا نصلي إلا في بني قريظة. وكل فريق فعل ما انتهى إليه اجتهاده؛ صلى البعض في الطريق، وانتظر البعض حتى وصلوا إلا ديار بني قريظة، فكانت النتيجة أن خرج العصر عن وقته. لما رفعوا الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وافق كلًّا من الفريقين على فهمه، وعلى فعله.
هذه الموافقة لم ينقل لنا فيها كلام، وإنما ذكرت الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر كلا من الفريقين على فهمه الذي فهمه في نص الحديث، وبالتالي على الفعل الذي فعله بناء على هذا الفعل.