وبذلك ننتهي من الحديث عن قضية تدوين السنة، وأنها لا تشكل شبهة أبدًا يعول عليها أعداء الإسلام، بل ثبت بالأدلة القاطعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن للبعض، أو أذن للمسلمين أن يكتبوا السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكرنا واستعرضنا الحقائق التي أثبتت ذلك.
مراحل كتابة الحديث
بعد كل هذا الاستعراض نقول: إن مكتبة الحديث أو كتابته مرت بالمراحل التالية: كتابة الأحاديث، وفيها سجلت الأحاديث في هذه المرحلة في كراريس، في صحف؛ يعني الواحد منها اسمه الجزء أو الصحيفة، تمت هذه المرحلة في عصر الصحابة، وأوائل التابعين.
والمرحلة الثانية تدوين الحديث، وهي مرحلة ضمت فيها تلك التسجيلات متفرقة، وتم هذا في أواخر القرن الأول الهجري مع أوائل القرن الثاني، ثم جاء تصنيف الحديث؛ أي المصنفات التي كتبت وفق مناهج متعددة، فمنهم من رتبها على كتب وأبواب، ومنهم من رتبها على مسانيد إلى آخره، وهذه بدأت مع الربع الثاني من القرن الثاني الهجري؛ يعني لم تتأخر.
عندنا أجزاء حديثية وعندنا كتب كثيرة، وموطأ الإمام مالك قلنا: إنه كتب قبل وفاة أبي جعفر المنصور -رحمه الله تعالى- لماذا؟ أبو جعفر المنصور انتهت خلافته سنة ١٥٨ هجرية، والإمام مالك عرض عليه (الموطأ) أثناء خلافته، وأبو جعفر اقترح على الإمام مالك أن يجعل (الموطأ) الأصل لدى كل المسلمين، وأن يحرق كل ما سواه، ولم يقبل ذلك الإمام مالك، وقال له: إن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تفرقوا في الأمصار، وأصبح في بعض البلاد علم لم يكن عند علم أهل البلاد الأخرى وفقًا لتفرق الصحابة في الأمصار، فلم يقبل أن يكون كتابه هو القائد