تابع: الرد على دعوى اهتمام المحدثين بنقد السند دون المتن
القواعد الدالة على عناية المحدثين بالمتن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطِّيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ ثم أما بعد:
فقاعدة:"لا تلازمَ بين صحة المتن وصحة الإسناد" تدل على أن للمتن ضوابط كما للإسناد ضوابط، وأنّ الدارس المحقق للعالم الدقيق يتأكد من وجود الضوابط الخاصة بالمتن؛ كوجود الضوابط الخاصة بالإسناد، حتى يَسْلَم له الإسناد والمتن معًا، وإلّا اقْتَصَر حُكْمُه على الإسناد دون المتن.
الآن نتكلم عن القواعد التي أصبحت جزءًا من الأمور أو المسائل المتفق عليها عند أهل العلم: والتي ندرسها للطلاب في مواد السنة المختلفة في المصطلح وفي الريجان وفي مناهج المحدثين؛ لنبين لهم أن هناك عدة قواعد تبين أن عناية المحدثين بالمتن لا تقل عن عنايتهم بالإسناد، وها أنا ذا أواصل الكلام عن بعض هذه القواعد التي بدأتها بإذن الله -تبارك وتعالى-.
أيضًا كثير من أنواع علوم الحديث تتعلق بالمتن كما تتعلق بالإسناد؛ فمثلًا: الدراسات المُتعلقة بالمُدْرَج، بالمُصَحّف، بالمضطرب، بالمقلوب. كلها تتعلقُ بالإسناد، قد يكون هناك إدراج في السند، وفي المتن، وتصحيفٌ في السند وتصحيف في المتن، واضطراب في السند واضطراب في المتن، وقلب في السند وقلب في المتن.
وفي كل الأحوال قد يصح أحدهما دون الآخر، فمثلًا قد يكون الإسناد صحيحًا لكن هناك قلبًا في المتن؛ مثلًا روى الإمام مسلم:((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) فجعل الإنفاق للشمال مع أن المعلوم من كل الأدلة أنّ الإنفاق إنما هو باليمين وليس بالشمال؛ والرِّوَايات الأُخرى للحديث التي تملأ دواوين السنة بينت ذلك، بالإضافة إلى أننا نعلم أن اليمين تستعمل للمكرومات، ومنها الإنفاق في سبيل الله تعالى.