إذن، هذا نوع من القلب يتعلق بالمتن؛ الحديث ورد بأسانيد صحيحة، وهذه الأسانيد الصحيحة لم تجعل المحدثين يقبلون المتن بدون نظر وبدون دراسة.
أيضًا مثلًا الراوي ينبغي أن يكون -كما ذكرنا قبلًا- عَدْلًا، ضابطًا، إذا اجتمع الأمران العَدْلُ والضّبْطُ أصبح ثقة، وكما ذكرتُ إذَا اخْتَلّ ضَبْطُه أصبح صدوقًا.
العِلَل التِي وَضَعَها العُلَماء بِمَا يُمكن أن نُسمِّيه بعلل الضبط كلها أو معظمها على الأقل تتعلق بالمتن، مثل:"الخطأ" كيف يَخْتَلُّ ضَبْطُ الرّاوي؟ وما هي المصطلحات التي وضعها العلماء للإشارة إلى خلل الضبط عند الراوي، ونستعملها في الحكم على الرواة، وتصبح علة ترد حديثه؟ كُلُّها أو مُعظمها يتعلق بالمتن؛ حينَ مثلًا يقولون: صدوق يخطئ مثلًا، أو سيئ الحفظ، أو مغفل، أو له مخالفات للثقات، أو عنده إدراج.
لو نظرنا إلى فحوى هذه العيوب المتعلقة بالضبط سنجدها مُتَعِلّقة بالمتن في المقام الأول، هذه قواعد تدل على العناية بالمتن كما تدل على العناية بالإسناد تمامًا.
"سوء الحفظ" مُتعلق بالمتن، "الغفلة" تتعلق بالمتن، "إدخال حديث هذا في حديث ذاك" تتعلق بالمتن، كان يُلقَّنُ فيَتَلَقّن، تتعلق بالمتن، مُخَالفته للثقات تتعلق بالمَتْن، عيوبٌ كثيرة تتعلق بالضبط وبها يُحكم على ضبطه إن كان قد اختل كثيرًا، أو لم يختل إلخ. أو نزل قليلًا حسب اتساع حفظه وكثرة روايته، يَحْكُمون عليه.
إذن هذه الضوابط التي وضعوها للحكم على الضبط متعلقة بالمتن، وهي أيضًا من الأمور التي تدل على عنايتهم بالمتن، كما اعتنوا تمامًا بالإسناد، بل أقول أمرًا جديدًا: إنّ العِنَايَة بالإسناد الذي يَتّهم الخُصُوم به المُحدثين، إنّما كان لأجل توثيق المتن، ما سَبب عنايتهم بالإسناد؟ يَشهد الله إنه كان ذلك لتوثيق المتن، أي: للتأكد من صدق نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- يعني: علوم الإسناد كلها كانت في خدمة