الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد:
فقلنا: إن الحديث المتواتر يفيد العلم الضروي أي: بمجرد ثبوت التواتر لا يحتاج الخبر بعد ذلك إلى مزيد من الأدلة، بل يصبح العلم به مقطوعًا بشكل ضروري.
وأما خبر الآحاد فقد تعددت آراء العلماء فيه إلى فريقين رئيسين:
الفريق الأول: يرى أن خبر الآحاد يفيد الظن بمعنى أن نسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- مظنونة لا نقطع يقينًا بأن النبي ـصلى الله عليه وسلم قاله.
والفريق الثاني: يرى أن الخبر الآحاد أو خبر الآحاد يفيد العلم القطعي، يعني نقطع بنسبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قاله، لكن القطع هذا بعد نظر واستدلال أي: بعد دراستنا لأحوال السند والمتن وسلامة كل منهما في ضوء المعايير المعتبر عند العلماء؛ نقطع بعد هذا إن سلم لنا الإسناد والمتن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال هذا الحديث.
وقلنا إن أغلب علماء المدرسة الحديثية على هذا الرأي على تفاوت بينهم في إعطاء هذا الحكم لكل أخبار الآحاد قصر ذلك على أحاديث الصحيحين، كما قال ابن الصلاح مثلا، أو أن نضيف إلى أحاديث الصحيحين أحاديث أخرى احتفت بها قرائن أكسبتها مزيدا من القوة كما قال ابن حجر، أو نعطي هذا الحكم لكل أخبار الآحاد، كما ذهب إلى ذلك: ابن حزم، والشيخ شاكر، والشيخ الألباني، وكثير من علماء الأمة.
أيًاما كان الأمر فهذه مناقشة لقضية الثبوت، لكن الوجوب العمل بحديث الآحاد لم يختلف عليه أحد من سلف الأمة -رضي الله عنهم أجمعين- يعني قضية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني قاله بشكل قطعي، أو يغلب على ظننا أنه قاله هذه قضية تتعلق بدرجة ثبوت الحديث وليست بقضية العمل به؛ ولذلك فإن الفريقين معا الذي يقول بالظن، والذي يقول بالقطع قد اتفقا على وجوب العمل بخبر الآحاد.