أيضًا لا ننسى أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، وهو لفظه ومعناه من عند الله -تبارك وتعالى- فلا بد أن تتوجه همة المسلمين أولًا إلى العناية به وحفظه وتدوينه؛ لذلك لم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشركهم أو يشرك مع القرآن غيره حتى لا يحدث التباس كما ذكرنا في السبب الأول، وحتى لا تبتعد الهمم عن القرآن الكريم.
أيضًا قلة أدوات الكتابة، وضم إليها أيضًا قلة عدد الكاتبين في ذاك الزمان، نحن لا زلنا بيئة أمية يعني النبي عليه الصلاة والسلام يقول ((نحن أمة أمية لا تكتب ولا تحسب)) هذه البيئة الأمية أدوات الكتابة فيها قليلة، وعدد الكاتبين فيها قليل، في ذاك الزمان، هذا جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفيد بهم في تدوين القرآن الكريم أولًا، ولم يشأ -صلى الله عليه وسلم- أن يوزع الجهود، وهي قليلة بين القرآن الكريم وغيره.
أنا أقول هذه الأسباب وأود أن لا نأخذ سببًا بمعزل عن الأسباب الأخرى، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد أن لا يختلط شيء بالقرآن، ولا يكتبوا شيئًا مع القرآن في صحيفة واحدة فيختلط هذا بذاك، أيضًا أرادهم أن تتوجه همتهم إلى القرآن الكريم في المقام الأول. أيضًا قلة أدوات الكتابة مع مع قلة عدد الكاتبين يجعلنا نستثمر هذه القلة في ميدانها الأول، وكأنه فقه الأولويات، وكأنه ترتيب الأمور حسب أهميتها، فلتتوجه الهمم أولًا إلى القرآن الكريم، ولا تتوزع الجهود وهي أصلًا قليلة، لا تتوزع على القرآن الكريم وغيره، فيضيع هذا وذاك.
أيضًا من بين الأسباب التي جعلت النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى في أول الأمر عن كتابة شيء غير القرآن حتى لا يركن المسلمون إلى الكتابة ويتركوا الحفظ؛ لأن البيئة بيئة أمية، لكن الله رزقها حافظة واعية يعني نادرة في قوة حفظها، وفي استيعابها رغم أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة في الأعم الأغلب. هذا أمر عجيب في هذه الأمة، أن نتصور أن بعض مثلًا رواة الأشعار يحفظون أكثر قرأت مثلًا ١٨٠٠٠ بيت شعر، رقم مهول،