فقالوا:"إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول -صلى الله عليه وسلم- ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضا". فأمسكت عن الكتاب -يقصد الكتابة يعني، أمسكت يعني امتنعت- فامتنعت عن الكتاب أي عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:((اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق)) الحديث سنستدل به على قضية أخرى بعد أن نشرع في الغوص في المسألة، لكن الآن نستدل به على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في الكتابة بعد النهي عنها.
ونرجو أن ننتبه أن هذا الإذن كان بعد النهي، بدليل أن عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب هذه القصة، وهذه الرواية رواه الإمام أحمد كما قلنا في (المسند) في جزء ٢ صفحة ١٦٢ ورواها أيضًا في مواطن أخرى متعددة -رحمه الله تعالى- في مسنده عبد الله بن عمرو بن العاص أسلم سنة ثمان للهجرة، إذن فهذا الأمر النبوي الكريم من الأمور المتأخرة بعد سنة ٨ للهجرة.
أيضًا في فتح مكة النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب، والرواية عند الإمام البخاري في كتاب العلم في باب كتابة العلم، ورواها الإمام مسلم في كتاب الحج باب تحريم مكة صيدها وشجرها، تقول الرواية: "لما فتح الله تعالى مكة للمسلمين خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يخطب يعني فرحًا بنعمة الله بفتح مكة ودخولها في الإسلام، وتحدثًا بنعمة الله عليه، فقام رجل من أهل اليمن اسمه أبو شاة، وقال: يا رسول الله اكتبوا لي. فقال:((اكتبوا لأبي فلان)) يقصد أبا شاة.
هذه الرواية كما قلت موجودة عن البخاري ومسلم فيها أن أبا شاة وأيضًا في فتح مكة سنة ٨ في رمضان، يعني قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب، واشتكى له الرجل في بعض الروايات أنه اشتكى له؛ يعني ضعف الحفظ، وكذا وطلب منه أن يكتبوا له، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أذن وقال:((اكتبوا لأبي شاة)) ضم هذا الدليل مع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أيضًا الذي كان بعد سنة ٨ لأن عبد الله أسلم سنة ٨ - رضي الله عنه- وعن أبيه.