وهناك من قال: إن المطلوب اثنا عشر مثل نقباء بني إسرائيل {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}(المائدة: ١٢) وقيل: عشرون، كما في قوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}(الأنفال: ٦٥) وقيل: أربعون؛ لأن عندها يبعث الأنبياء، وسن الأربعين هي اكتمال العقل والأشد عند الإنسان. وقيل: سبعون، مثل من اختارهم موسى عليه السلام لميقات ربه، إلى آخره. وهناك من قال ثلاثمائة مثل أهل بدر.
الصواب من كل ذلك إن شاء الله أننا نضم إلى العدد مسألة أخرى، وهو الشرط الثاني، وهو أن يتحقق الاطمئنان؛ يعني أن يطمئن القلب والعقل معًا إلى أن هذا الجمع يستحيل أن يتواطأ على الكذب لما نعرفه من صفات؛ يعني كيف نقول إنه يستحيل أن يتفقوا على الكذب؟
من معرفتنا لأحوالهم وديانتهم وصدقهم وكذا، وأيضًا من معرفتنا لمضمون الخبر الذي رووه ونقلوه لنا؛ يعني اعتبارات كثيرة من الممكن أن تدخل في اختبار صدقهم وأمانتهم؛ لنتأكد أنهم لا يمكن أبدًا أن يجمعوا على كذب، ولا حتى يقع الكذب بينهم اتفاقًا من قبيل المصادفة كما يقال.
ولذلك نقول: إنه متى توفر هذا الاطمئنان مع العدد، فقد حدث التواتر، قد يختلف الأمر من واقعة إلى واقعة، ومن موقف إلى موقف، ومن خبر إلى خبر، رب خبر نحتاج في تأكيده إلى عشرات، ورب خبر نتأكد من خلاله من أربعة أو خمسة، فمتى توفر الأمران معًا: العدد مع اطمئنان القلب والعقل إلى صدقهم، وإلى عدالتهم، وإلى طهارتهم، وإلى استحالة اتفاقهم على الكذب، وإلى عدم وقوع الكذب منهم، ولو اتفاقًا بأن يكونوا مثلًا ليسوا من أهل بلد واحدة أو ليسوا أصحاب مصلحة واحدة، والخبر يتعلق بمصلحتهم مثلًا، إلى آخره.