أيضًا قالوا: إن الرواية بالمعنى كانت قبل عصر التدوين، أما بعد عصر التدوين فكأنهم الآن يقولون: إنها غير جائزة في زماننا هذا، إذا فهمنا هذه القضايا، نقول: إن هذا لا يتعارض مع حديث: ((نضر الله امرأً))، وأيضًا إن حديث:((نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فأداه كما سمعه)) هو حث -يعني: فهم الحديث هو حث- على الرواية باللفظ، لكنه لا يغلق الباب، ليس فيه نهي عن الرواية بالمعنى، وليس فيه ما يدل على أن الذي يروي بالمعنى إنما هو آثم إن لم يفعل ذلك، فالحديث يُفهم على بابه أنه حث على الالتزام باللفظ، لكنه لا يؤثم الرواية بالمعنى، وحثه على الرواية باللفظ -كما قلنا- هذه قضية اتفق عليه أهل العلم حتى مَن قالوا بجواز الرواية بالمعنى.
أيضًا من الشبه التي أثاروها أن الرواية بالمعنى أضرت بالدين -أعوذ بالله- كلام يدل على عدم صلة صاحبه بقضايا الاجتهاد في الأمة المسلمة، الصواب أن نقول: إنها أثرت الدين وكانت سببًا في تعدد الآراء الفقهية، فأعطت الأمة السعة في الأحكام الشرعية، يعني هناك من اعتمد رواية للحديث فأخذ بالحكم المستفاد من الرواية، وهناك من اعتمد رواية أخرى فأخذ بالحكم المستفاد من الرواية، وسنضرب بعض الأمثلة، لكن على كل الخلاصة أن الرواية بالمعنى أضافت إلى الدين ولم تضر بالدين، يضرب المتضرر أو القائل بأن الرواية بالمعنى أضرت الدين يضرب مثالًا بحديث التشهد الذي نقوله في الصلاة، وأنه ورد بألفاظ متعددة؛ منها حديث ابن مسعود، ومنها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وغير ذلك، ماذا قال العلماء في ذلك؟
في (المغني) مع الشرح ال كبير ينقل عن الإمام أحمد يقول: "تشهد عبد الله أعجب إلي -تشهد عبد الله بن مسعود يعني الصيغة التي رواها عبد الله بن مسعود أعجب إلي- وإن تشهد بغيره جائز" إذًا المسألة لم تؤدِ إلى ضرر بالدين، وعلماء الأمة