ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ما معنى لم يلبسوا؟ الذين آمنوا ولم يلبسوا: أي ولم يخلطوا إيمانهم بأي نوع من أنواع الظلم، هؤلاء فقط الذين لهم الأمن ولهم الهداية.
ما هو الظلم؟ الظلم هو وضع الشيء في غير محله، أي شيء تضعه في غير محله هذا ظلم، هذا المعنى العام للظلم، من يستعمل نعمة البصر في غير ما خلقت له بأن يسلطها مثلًا للنظر على الحرام، أو انتهاك الحرمات، أو ما شاكل ذلك هذا ظلم؛ لأنه استعمال للنعمة في غير ما خلقها الله، أو ما أراده الله لها، أيضًا من يسلط نعمة السمع فيستمع للحرام، ولا يستمع للذكر أو للقرآن أو العلم، أو ما شاكل ذلك هذا ظلم.
وهكذا لو استعرضنا صور الظلم سنجده يشمل كل جوانب حياتنا، فأي شيء تستعمله، وتضعه في غير محله الشرعي، فأنت ظالم على هذا المعنى، هل يوجد أحد من المسلمين لم يظلم نفسه؟ كلنا قد وقع في الظلم بشكل أو بآخر، ومن الذي لم يفعل يومًا أمرًا، أو لم يضع شيئًا في غير موضعه؛ لذلك؛ ولأن الصحابة يفهمون هذا المعنى العام للظلم، وأقول: المعنى العام؛ لأننا أمام مثال لتخصيص العام، وجلت قلوبهم واضطربت أفئدتهم، خافوا أهؤلاء فقط الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، هؤلاء فقط الذين لهم الأمن ولهم الهداية؟ إذن هم لقليل.
ولذلك خافوا ورفعوا الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث عند البخاري رواه بسنده إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال:((لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (الأنعام: ٨٢) قلنا -أي: الصحابة-: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ -أي من منا الذي لم يظلم نفسه- قال -صلى الله عليه وسلم- هنا يوضح لهم هذا بيان السنة للقرآن يوضح لهم الآية والمقصود بها، ويخصصها لهم كما سنقول فيقول لهم -صلى الله عليه وسلم-: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: بشرك أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})) (لقمان: ١٣)؟ هذه الآية في سورة لقمان جاءت في القرآن على لسان لقمان، وهو يعظ ابنه.